قصي عجيب
اللوحة للفنان فاروق حسني
شرقي مغترب في بلاد الغرب، أمشي صباحا ومساء، أعبر طرقا وأرصفة وتقاطعات كثيرة، وأحلم، وإن لم يتجدد حلمي أبتكر جديداً، أحزن أحيانا وأفرح كثيرا، أكتئب من الحاضر، ويحذوني الأمل في الآتي.
في طريقي رأيته، يجلس وحيدا على ضفة النهر، يمعن النظر في شجرات مزهرة طوال الوقت، ألقيت عليه نظرة وتابعت السير.
تكرر المشهد مرارا، و”في زمن الكورونا”، قررت أن أقترب، جلست على مقربة منه تحت إحدى الشجرات المزهرة، التي يمعن النظر اليها، لا ينظر إلا للشجر، كأني غير موجود.
نظرته.. ليست بلهاء، ولا مستجدية عطفا، ليست كنظرة ابن الشرق المتعبة، لكنها توحي بالتلاشي، بالزوال.
كأنه طوال الوقت يتحسر على ماضٍ كانوا يصنفون فيه متحضرين، ونحن متخلفون.
يعيشون الروتين المحمي بقانون يمنحهم بعض الحقوق التي نحلم بها، وبسببها نهاجر الى بلادهم المليئة بالكآبة التي تلهم مراهقيهم بالانتحار، كآبة في ظل قانون يساوي بين البشر، الغني والفقير.
ذاك الرجل تجاوز سن المراهقة بستة عقود، لذلك لم ينتحر.
في اليوم المئة للحجر المطبق بسبب كورونا، التزمت القانون “المقدس”، وعلى بعد مترين منه جلست، لم ألفت انتباهه، ألقيت عليه التحية، وسألته بضعة أسئلة، فكان جوابه واحدًا: أنتظر ما تسنه الحكومة من قوانين!
وسألني سؤالا واحدا، فأجبته مئة جواب لمئة احتمال؛ وأردفت: في بلادنا نقلم الشجر، ونشذب أشتال الورد في كل موسم، بالرغم من أن حكوماتنا تسن قوانين على مقاسها، وتُلزم الرعاع بها فقط.
ضحك الرجل وقال: أنتم أبناء الحياة، ونحن أبناء القانون، يجب أن نقلم ونشذب القانون في كل موسم، وأضاف: لنرى بعد (كورونا) كيف ننسق بين الحياة والقانون، لقد تعبتم كثيرا في آخر مائة سنة، ونحن استرخينا كثيرا، والقادم للذي تعب أكثر.
في بلاد الغرب يغرقون في أول “مطب” لا يوجد له نص في القانون، وفي بلادنا نسمي “المطبات” منعطفات، نفرح بها، وننتظر، علها تأتينا بجديد.
شكرا لكم
إعجابإعجاب