الخامسة علاوي
اللوحة: الفنان الفرنسي بول غوغان
منهكةٌ من سفرها الطويل، دخلتْ غرفتها، أخذتْ حماما عطريا، ثمّ ارتدت قميص نومها الحريري الأبيض المطرّز بورود بنفسجية، ورمت بنفسها في هدوء أميري خلاّب تحت إزار مخملي أبيض تسابقت أحلى الورود لتأخذ طريقها إليه.
توسدت خدَّها الأيمن الناعم، شابكةً أطراف أصابع يدها اليسرى بأطراف المخدة، وخَلدت لنوم عميق على صدرها، رامية بكل تعبها وراء خدرها البرزخي.
بعد مدة دخلَ خلسة، اقترب من حافة السرير، رمى ببصره، فرآها غارقة في نومها شبه عارية الظهر والكتفين. اقترب أكثر…ارتمى وراءها، مدّ يده اليسرى في هدوء كبير إلى رأس كتفها الأيسر، وانحنى ليرسم قبلةً على كتفها بشفاه جمرية، رسمت على وجهها الجميل ابتسامة بريئة، تحسست أصابعه، أمسكت بأطرافها، قرّبتها بلطف إلى فيها لترسم عليها قبلةً كانت كافيةً لتَجْعله يَغْرِس رأسه في مكانه، بين عنق مرمري وكتف عاجي، ليستسلم لنوم عميق.
كان جزءه الأعلى على السرير وجزءه السفلي خارجه، أما صدره فكان يعانق ظهرها العاري مسترجعا كلمات لحن عربي شجي (لجسمك عطر خطير النوايا)، مستمتعا بأعرق سمفونيات اللقاءات الأخيرة.
وعندما أرسَلت أشعة الشمس أولَ خيوطها إلى الغرفة، فتحت عينيها، وبسرعة استدارت، لم تجد أحداً يشاركها المكان.
قامت في هدوء الأميرات من خدرها، وهي تردد: كان حلُماً… نعم كان مجرد حلُم.
فتحت الباب ليأخذها مسارها في رواق رخامي باتجاه المطبخ. وهنا كانت المفاجأة.
مائدة إفطارٍ تناغمت ألوانها، تساوقت أصنافها بما تشتهيه نفسها، لتعزف بأناملِ مبدعِها أغنية عنوانها: (الأماكن كلها مشتاقة لك)، مترئسة الأوركسترا فيها باقة ورد بين جوري وأبيض، في تناسق مذهلٍ يُغرق المكان بأسئلة لا تجيب عليها إلا ورقةً غابت بين ثنايا الباقة.
جرت يدها إلى الورد الجوري، الذي أخذ نصيبه الكامل من أنفها، قبل أن تمتد اليد الثانية للورد الأبيض، الذي لم يلق منها سوى لمسة حانية.
بعدها فتحت الورقة وبدأت تقرأ بصوت شجّي عذب:
صباح العسل يا وطنا ضلت عيوني طريقه،
فما كان للروح التي تسكنه إلا أن تحدِّدَه بشطآنه،
صباح النعومة والسعادة…
فاتنتي… عطرُك يسكنني،
روحك تطوّقني،
تسابيحك تسحرني،
أما غيابك فيُتْعبني،
لأجلك فقط أحترق حد الفناء.
وداعاً ملهمتي..
إمضاء/ عبدك الآبق.