اللوحات تتحدث عن معاناة فريدا كاهلو في فيلم «Frida»

اللوحات تتحدث عن معاناة فريدا كاهلو في فيلم «Frida»

حنان عبد القادر

اللوحة: الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو

دعيت لحضور عرض سينمائي في ملتقى ثقافي، يهتم بانتقاء الأفلام العالمية التي حققت شهرة ونالت جوائز معروفة، ومن جميل الأقدار أن يكون الفيلم المعروض هو الفيلم المكسيكي “فريدا” للمخرجة جوليا تيمور، وهو من إنتاج شركة وارنر برذارز عام 2002 م.

 رشح الفيلم لنيل جائزة أوسكار أفضل ممثلة سينمائية، وفازت بها بطلة الفيلم الممثلة سلمى حايك.
الفيلم يعرض السيرة الذاتية للفنانة التشكيلية فريدا كاهلو التي ولدت في أحد ضواحي كويوكان بالمكسيك في السادس من يوليو 1907، وتوفيت في الثالث عشر من يوليو 1954 في نفس المدينة، وقد استطاعت فريدا كاهلو في هذ العمر القصير المثخن بالآلام أن تخلد اسمها كفنانة صقلتها المعاناة، فعاشت الحياة، وهزمت الموت، مثبتة أن الإبداع يولد من رحم الألم، ومتجاورة مع قول محمود درويش: 

                         هزمتك يا موت الفنون جميعها!

لقد قدمت السينما خلال تاريخها الطويل العديد من الأفلام التي تتناول حياة الفنانين عامة والتشكيليين بوجه خاص، في محاولة لإثبات نظرية تعانق الفنون الإنسانية، وقد جاء فيلم “فريدا” مؤكدا ذلك بكل المقاييس حيث يلتقي النص والمعالجة الفنية، والسيناريو مع الأدوات الإخراجية والتصوير والموسيقى والتمثيل، لتصنع جميعها لوحة فسيفساء متقنة التكوين، تثبت أن الفنون جميعها إبداع إنساني لو جمعناه في عمل واحد لكتب له الخلود، وبدت لقطات الفيلم ولوحاته كتشكيل بارع استخدمت فيه المخرجة طاقاتها الفنية لتبرز العمل في ثوب إنساني فني راق، وكان لافتاً كيف عمدت المخرجة إلى عرض عدد كبير من لوحات الفنانة، وكأنها تعيد رسمها، فبدت اللوحات وكأنها شخوص تتحدث، لقد قدم الفيلم معاناة فريدة كاهلو من خلال فنها، لوحاتها، ألوانها، إنه سيرة ذاتية بأدوات الرسم، وفيلم تشكيلي بامتياز. كما تفوقت الممثلة سلمى حايك بطلة الفيلم في أدائها لهذا الدور وهي تترجم الانفعالات الداخلية لشخصية مقهورة عاطفياً ومدمرة نفسياً وجسدياً، غير أنها لم تستسلم، وظلت تقاوم في سبيل الارتقاء بنفسها وإبداعها حتى وصلت إلى الهدف الذي تريده.

أبرز الفيلم أثر تشجيع الأسرة لمواهب أبنائها، ومحاولة بث الثقة في الذات رغم ما يمكن أن يكون في الفرد من قصور حتى يصبح ذلك دافعا له لمواجهة الحياة بصعوباتها، وإذكاء روح الإبداع فيه، والجميل أيضا أن ترى حياة الفنان غير منفصلة عن مجتمعه، ولا واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، له في كل مواقفه التي تحسب له أو ضده، لكنه لا يحجم عن المشاركة في تلك القضايا والإدلاء بدلوه فيها، والغريب في الفيلم أنه يحمل هذا الإسقاط أيضا على النازية، فقد جاء على لسان ليون تروتسكي – وهو ماركسي بارز وأحد زعماء ثورة أكتوبر في روسياعام 1917م والذي استضافه بطلا الفيلم في منزلهما وقت هروبه وبحثه عن ملجأ سياسي بعيدا عن نظام جوزيف ستالين في الاتحاد السوفييتي – أن هتلر وستالين هما شخص واحد، لكن هتلر استطاع أن يحرك العقول أما ستالين فكان غبيا.

ولا ننسى حينما نتحدث عن هذا الفيلم أن نذكر للمخرجة جوليا تيمور رؤيتها السينمائية ومهارتها في استخدام التقنيات الإخراجية، ومزجها بين اللوحة المرسومة والشخصية الإنسانية في مشاهد عدة، موهمة المشاهد بتحريك اللوحات وكأنها تريد أن تبين تطابق روح الفنانة مع لوحاتها، وأيضا نلقي الضوء على الموسيقى التصويرية التي حملتنا إلى الأجواء التي عاشتها فريدا كاهلو، وجمال الأغاني المكسيكية التي تحمل في دفئها الروح الشرقية.

في النهاية، نحن أمام فيلم رائع تعانقت فيه الفنون جميعا لتقدم لنا عملا فنيا متكاملا، وترسم لنا لوحة قلما نجدها في أعمال سينمائية كثيرة.

رأي واحد على “اللوحات تتحدث عن معاناة فريدا كاهلو في فيلم «Frida»

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s