هناء

هناء

ريما إبراهيم حمود

اللوحة: الفنان الأميركي يعقوب لورانس

  • أمي.. أريده.

 أشرت إلى خالتي هناء بحزن داهمني فورا حين اجتزت عتبة باب الشقة إلى الصالة، لأفاجأ بها ترتدي فستانا ورديا قصيرا من الدانتيل، وعلى صدره وردة من شريط حريري، بكمين طويلين من الشيفون الوردي المذهّب يشف عن ذراعيها، وقبة عالية تغطي الرقبة بذات الشيفون.

 وقفت لدقائق أتأمل فستانها، جلست على الكنبة الوحيدة في الصالة الصغيرة، راقبتها تدور حول نفسها محدثة تيار هواء ناعم بفستانها الرائع، تقف بين الحين والآخر تلتقط أنفاسها ضاحكة.. تركض إلى جدي تخطف من خده الخشن قبلة، وتعود للقفز والدوران بفستانها. 

تجاهلت أمي طلبي، دسست رأسي في حجرها:

  • أمي.. أريده.. فستان هناء.. اشتري لي مثله.. أريده. 

لكزتني أمي غاضبة، وضعت يدها على فمي:

  • هششششش.. ولا كلمة. 

جلست بجانبها واجمة، لاحظ جدي هدوئي، سألني:

  • تعالي.. مابك ؟ 

هززت كتفي بنزق.

ابتسمت أمي:

  • لا شيء.. لا شيء.

 لكنني لم أحتمل رؤية هناء تدور فرحة.. وحين جلست بجانبي و همست في أذني:

  • سألبسه يوم العيد.

اغتظت.. سحبتني إلى الغرفة، أخرجت من درجها عقدا من اللؤلؤ الأبيض:

  • سألبس هذا معه.. أمي قالت أنها ستشتري لي حذاء ورديا. 

 تركتها في الغرفة تجرب العقد على الفستان. عدت إلى أمي، جلست بجانبها، حاولت لأكثر من نصف ساعة أن أبكي بحرقة، حتى بدأت دموعي تنزلق إلى رقبتي سريعا، رافقتها بشهقات خافتة متقطعة، تعلقتُ برقبة أمي همست في أذنها:

  • اشتري لي مثله.

 نظرت إلي أمي تلك النظرة الغاضبة التي أدرك تماما أن وراءها عقابا ما.. عدت إلى بكائي ورفعت صوتي أكثر، أشارت أمي لأبي برأسها، همّ أبي بالخروج، وقفنا جميعا، شدّتني أمي من يدي، التصقت بها، ارتفع نحيبي، اقترب مني جدّي:

  • ما بك ؟

تململت أمي: 

  • لا شيء.. لا شيء.

تعالى بكائي أكثر حين دخلت هناء، أشرت إلى فستانها:

  • أريده.

ضحك جدي، أشار إلى هناء:

  • اخلعي الفستان و أعطيه لريما. 

تجمدت هناء في مكانها.. سحبتها خالتي إلى الغرفة، سمعتها تبكي و تشتمني، ذهب جدي إلى الغرفة للحظات، سكتت هناء، ناولني الفستان في كيس أبيض، غضبت أمي:

  • لا يجوز إنه لهناء. 

نهرها جدّي:

  • تشتري غيره.

أخذت الكيس فرحة، ركضت إلى الباب، لم أعبأ بهناء الواقفة قرب الستارة الفاصلة بين الصالتين باكية تمسح دموعها بكمها خوفا من جدّي.

 قررت أن أرتدي الفستان صباح العيد، أخرجت من علبة (الماكنتوش) عقدا من اللؤلؤ الوردي، لبسته، دخلت أمي الغرفة، خلعت عني الفستان ألبستني بلوزة قطنية حمراء، ثم ألبستني الفستان فوقها، وقفت أمام المرآة أتأمل ذراعيّ بلونهما الأحمر تحت الشيفون المذهب.

 لم يعجبني منظري، كان الثوب بشعا عليّ، بكيت، علا بكائي دونما افتعال، سألتني أمّي غاضبة: 

  • ما بك ؟

مسحت دموعي بكمي الأحمر:

– أريد أن أرى الفستان على هناء.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s