أدهم بغدادي
اللوحة: الفنان السوري إسماعيل أبو ترابة
نصوص لشباب واعدين في مقتبل الكتابة
عاشت الفتاة الزرقاء – كما كان يدعوها أطفال المدرسة التي كانت تدرس فيها – حياة بائسة يائسة بعدما فقدت والدتها إثر مرض شديد ألم بها، كان الأطفال يدعونها كذلك بسبب عيونها الزرقاء الواسعة التي كانت تملأ معظم وجهها، ولم يخفها شعرها الأصفر الكثيف عن سخريتهم المستمرة منها.
تلك الفتاة البائسة فقدت أمها التي كانت ترعاها بعد وفاة والدها الذي توفاه الله قبل أن تولد، ولم يعد لها الآن سوى عمها القاسي القلب وزوجته الشريرة.
انتقلت الفتاة للعيش في بيت عمها، لكن زوجته حرمتها من التعليم، وكانت تغار من شعرها الأصفر الناعم كالحرير، فتآمرت عليها وقصته كالصبيان وأجبرتها على ارتداء ملابس الصبيان، وعلى القيام بأعمال المنزل الصعبة.
وفي يوم من الأيام عندما كانت تشتري بعض طلبات المنزل، استوقفها رجل يبدو عليه الثراء الشديد، يركب سيارة فاخرة سوداء، وسألها أن تدله على الطريق، وأثناء حديثهما سويا اكتشف أنها فتاة وليست فتى، فدهش لذلك، وساقه الفضول لمعرفة قصتها كاملة، ولما عرف ما حدث لها حزن جدا، وقال لها: ما رأيك أن تأتي للعمل عندي؟
قالت : لن ترضى زوجة عمي أبدا، فقال لها: لا عليك، سأقنعها، خذيني فقط إلى بيت عمك.
ذهب الرجل إلى عم الفتاة، وعرض عليه أن يأخذها لتعمل بمصنعه الكبير، ومقابل ذلك سيعطيه راتبا شهريا مجزيا، فوافق العم على الفور.
انتقلت الفتاة إلى بيت الرجل الغني، وتفاجأت أنه لم يأخذها لتعمل عنده، بل كان قد أعد لها غرفة مريحة، وقدم لها في مدرسة رائعة لتستكمل دراستها.
فرحت البنت جدا وقالت للرجل وهي تبكي: لماذا تعتني بي كل هذا الاعتناء، بينما لم يهتم بأمري عمي وهو أقرب الناس لي؟
قال لها الرجل: لقد رأيت فيك قلبا طيبا، وروحا منكسرة قد أذلها اليتم، وأنا أقدر على مساعدتك ورفع الظلم عنك، وسوف تملئين علي وحدتي، وأنت مثل حفيدتي.
بكت البنت بشدة وقالت : الحمد لله الذي عوضني بك بعد كل العناء الذي عشته، وأعدك ألا أعصي لك أمرا أبدا.
قال لها الرجل : يكفيني أن تجتهدي في دراستك، وتهتمي بنفسك حتى أفخر بك وأشعر أني قدمت شيئا مفيدا.
مرت السنون، والبنت تحقق نجاحا مذهلا وتفوقا مشهودا، وتخرجت من الجامعة، وأكملت دراستها بعد الجامعة، وبلغ تفوقها العلمي مكانة كبيرة حتى كرمتها الدولة كعالمة في البحث العلمي، وأصبحت الفتاة اليتيمة البائسة عالمة مشهورة يحبها كل الناس.