رند بغدادي
اللوحة: الفنان الفرنسي جول باستيان ليباج
نصوص لشباب واعدين في مقتبل الكتابة
في مدينة كبيرة من مدن إحدى الدول التي تشتهر بطبيعتها الخلابة، كانت تعيش بنت جميلة اسمها أروى مع والديها حياة مرفهة سعيدة، كانت أروى وحيدة أمها وأبيها، وكانت تعشق الحلوى، وتحب اللعب في الحدائق المنتشرة حول منزلها، وفي يوم من الأيام، قررت أمها أن تأخذها في رحلة عائلية إلى جدتها في قريتها البعيدة؛ لتريها جمال الحدائق هناك، وتريها متاجر الحلوى الكثيرة والمتنوعة وخاصة متجر العم صالح الذي يجمع فيه كل أنواع الحلوى الغريبة والرائعة الطعم.
ركبت الأسرة السيارة، وفي الطريق كان عليهم صعود الجبل للوصول إلى تلك القرية، وكان الأب يركب بجانب السائق في المقدمة، وفي الخلف جلست الأم وابنتها، وفي أثناء الصعود، ارتطمت إحدى عجلات العربة بصخرة كبيرة؛ فاختل توازن العربة ووقعت من أعلى الجبل، وأثناء السقوط عانقت الأم ابنتها بشدة، ولفتها بذراعيها لتمتص رعبها، وتحميها بجسدها من قسوة السقوط، وعندما ارتطمت العربة بالأرض، مات الجميع عدا تلك البنت؛ لأن الأم ضحت بحياتها من أجل ابنتها، وحين أتى رجال الشرطة ليحققوا في الموضوع، وجدوا عنوان منزل في حقيبة الأم، فذهبوا الى هذا العنوان، فوجدوا فيه امرأة عجوزا لا تكاد تقوى على خدمة نفسها، لكنها تعهدت بتربية الصغيرة رغم فقرها، فهي كل ما تبقى لها من رائحة ابنتها المتوفاة.
لم تكن الحياة مع الجدة كالحياة في حضن الوالدين، فلم يكن هناك طعام كاف، أو ملابس أنيقة، أو مدارس متميزة، لأن الجدة المسكينة لا تملك المال الكافي لرعاية تلك الصغيرة، فاضطرت الجدة للخروج كل يوم لبيع الحلوى وبعض الأشياء البسيطة لتتكسب القليل من المال الذي يساعدها وحفيدتها على الحياة العفيفة، بينما كانت الصغيرة تقوم بأعمال التنظيف والترتيب داخل المنزل بعد عودتها من مدرستها، ثم تجلس لمتابعة دروسها، ولم تعد البنت تحب اللعب في الحدائق، ولم تعد تحب أكل الحلوى، وكان طعامها اليومي قليلا جدا.
وفي يوم من أيام العطلة، قررت البنت أن تتمشى قليلا، فذهبت لحديقة قريبة من المنزل، لكن مظهرها الفقير جعل الأطفال يخافون منها، ويبتعدون عنها، ويلقبونها بأسوأ الألقاب، وحتى الناس، كانوا يأخذون أبناءهم ويبتعدون عنها، فخرجت من الحديقة وهي حزينة، وتذكرت والديها، وكيف كانت تعيش بينهما في أمان، ثم جلست تبكي بحرقة حتى أنهكها البكاء فنامت على كرسي الحديقة، فسمعت صوت أمها تناديها وتقول: حبيبتي، أنت أجمل البنات لأن روحك طيبة، والله لا ينسى الطيبين.
أحست البنت بالتفاؤل والرضا، وذهبت لترى متاجر الحلوى التي كانت تتمنى أن تراها مع أسرتها، فرأت متجرا كبيرا للحلوى، فقالت في نفسها: لعله متجر العم صالح الذي حدثتني عنه أمي، فقادها الفضول لمعرفة أنواع الحلوى التي بداخل هذا المتجر، فدخلته، فرأت رجلا عجوزا يجلس على صندوق تحصيل الثمن فقالت له: صباح الخير يا جدي، هل أنت العم صالح؟ فرد عليها: أهلا يا بنيتي هل أعرفك من قبل؟ فقالت: لا، لكن أمي رحمها الله حدثتني عن متجرك كثيرا، وعن هوايتك في جمع الحلوى الغريبة والمتنوعة.
فقال: وما جاء بك إلى هنا؟ فقالت: جئت أعيش مع جدتي بعد وفاة والديّ في حادث، الفضول قادني إلى هنا لأرى أنواع الحلوى.
نهض العجوز من مكانه متباطئا، ثم أخذ بيدها الصغيرة، وبدأ يريها أنواع الحلوى ويقول لها: تخيري ما تشائين وسأعطيه لك مجانا.
لم تصدق البنت نفسها، وبدأت تحدق في كل الحلوى بعيون مبهورة والعجوز يراقبها، ثم تختار واحدة بخجل رغم أن عيونها ما تزال تقفز في شهوة إلى الكثير منها، لكنها قالت: هذه تكفيني.
أعطاها العجوز الذي تريده وهو يبتسم معجبا بقناعتها، وعندما ذهبت، تبعها إلى بيتها وهو ويقول لنفسه: إنها تشبه حفيدتي الصغيرة التي توفاها الله بسبب المرض.
وفي الصباح الباكر ذهب إلى نفس العنوان، ففتحت له الجدة، ودهشت لزيارته، فهي تعرفه جيدا، لكنه عرض عليها أن يتبنى الصغيرة، ويتكفل بالإنفاق عليها هي وحفيدتها، وحتى يشعر بتلك الروح الصغيرة التي كانت تلعب حوله، فهي تذكره بحفيدته التي فقدها، ومنذ ذلك الوقت، أصبحت الحياة أفضل، فقد نسيت البنت كل الأحزان، وصارت تلعب مع الأطفال في الحديقة وتأكل الحلوى، ولم يعد هناك أعمال تنظيف كثيرة، أو خروج كل يوم لبيع الحلوى، وبدأت الحال تتغير للأفضل، وتذكرت صوت أمها، وآمنت بأن الله لا يضيع الطيبين.