خالد جهاد
اللوحات: من أعمال الفنان عمر كوران
تبدو تجربة الفنان التشكيلي المغربي عمر كوران غريبة بعض الشيء لكن عند الاقتراب منها يمكن فهم خصوصيتها وارتباطها ببيئتها المغربية، فمنذ طفولة فناننا والتي بدأت في الكتاتيب، اعتاد على التعامل مع الألواح الخشبية والقصب والطين، فألف ملمسها وأثارت فضوله وارتبطت في مخيلته مع تعدد اللغات والثقافة والأحرف وجمالها، وهو ما مكنه فيما بعد من استلهام هذا التعدد في أعماله الفنية ذات اللمسة الخاصة.
المغرب بلد مميز ومتنوع يزخر بتعدد الأفكار والتجارب والثقافات والتجارب الجمالية الضاربة في عمق التاريخ، والتراث المغربي يجمع كثير من العناصر المتعددة من أعراق وحضارات، ويشكل بالتأكيد مصدر إلهام لكثير من المبدعين حول العالم، وكان أحدهم أبن هذا البلد الفنان المغربي عمر كوران.
نستطيع بسهولة إدراك ولعه بالأحرف وأشكالها وأنماطها على اختلاف الثقافات وهو لا يحصر نفسه في شكلٍ واحد، فيبدو الحرف هو البطل الرئيسي في معظم لوحاته، ومحور اهتمامه ولب العمل الفني الذي يطرح تساؤلاتٍ مستمرة، فالحرف بالنسبة لفناننا مدخلٌ لمعرفة هذا الكون الفسيح والتناغم معه وكشف أسراره، وهو ما أكد الوجود الإنساني ووصله ببعضه وكرس انفتاحه على العالم وأرخ للحضارة، ويرى فناننا أنه أقرب إلى المدرسة التعبيرية التجريدية حيث يجد فيها حريته التي يكسر فيها قيود وقواعد الفن الكلاسيكي، فيستطيع أن يعبر بقوةٍ ونضج عن مضمون أعماله التي تحتاج إلى فضاء ٍ حر قادر على استيعابها، كما يؤمن بأن الفن يحتاج إلى شحنةٍ وجدانية وذهنٍ حاضر وأفكار ٍ معدة بإتقان لتخرج بالشكل المطلوب بمعيار الكيف وليس الكم.
كما نلحظ تنوع الأفكار والأشكال وطريقة رسم الأحرف في مزجٍ بين الأحرف العربية والأمازيغية وتأثرٍ واضح بالأحرف الصينية وجعل الحرف عنصراً فاعلاً وليس مجرد شكلٍ جماليٍ عابر يزين به لوحاته، كما يدمجه مع رموزٍ ورسومٍ وألوانٍ أخرى تضيف مجموعة ً مختلفة وربما متناقضة، لكن تنوعها يظل ضمن الخط الذي رسمه الفنان المغربي عمر كوران لنفسه، فنلحظ أحياناً وجوداً متوارياً للعين بين حروفه، كما نلمح بعضها أيضاً في حالات تناغمٍ وانسجام مع الضوء والألوان، ويبدو البعض الآخر منها مشتبكاً مع بعضه وكأنه في حالةٍ من التبارز والتصارع، فنجد لهذه الأحرف وظلالها أكثر من معنىً ومدلول وأكثر من احساس تبعثه في نفس المتلقي.
وبرغم تميز هذه اللوحات إلا أنك لا تستطيع أن تشعر بأنها تميل بتطرف نحو الشرق أو الغرب، فلوهلةٍ تشعر أنها متشبعةٌ بالشرق ورموزه، أو في حالة انصهارٍ وتكامل بين الحرف العربي والحرف الأمازيغي أو حتى الحرف الصيني، لكن عند التأمل فيها تجد لمسةً تذكرك بالعديد من الأسماء والمدارس الغربية للفن، وعند الحديث مع فناننا ستجده يسرد لك تاريخ عددٍ من الفنانين التشكيليين الذين تأثر بهم وأعجبته تجربتهم، لكنه يؤمن أن العراق كبلد قدم الكثير من خلال ارثه ومبدعيه للساحة التشكيلية في العالم العربي، كما أن الفنانين التشكيليين المغاربة استفادوا من امتزاج ثقافتهم الأم بكل ثرائها وتاريخها مع الثقافات الوافدة من فرنسا واسبانيا على وجه الخصوص.
كما أن هناك تبايناً بين اللوحات من حيث أنماطها ودرجات الضوء والألوان فيها، بحيث تأخذك لأكثر من قراءة وأكثر من احساس عبر خلق حالات ٍ متناغمة أو متنافرة أحياناً بين مركز اللوحة والألوان المحيطة بها، مع اختلافها واختلاف الحرف أو الرمز أو الشكل ككل ونلحظ ذلك عند المقارنة بين اللوحات، فإما أن تبرزها عبر اضافاتٍ جريئة تجعلها في حالة توهج، أو تضفي عليها مسحةً ضبابية أنيقة تشيع حالةً من التأمل والرصانة على هذه الأعمال، وتخلق حالة ً من التنوع فيما بينهم جميعاً وكلٌ بحسب ذوقه.
ولا شك أن تجربة الفنان المغربي عمر كوران المختلفة والتي تبدو خاصة تنبع من تأثرها بزخم الثقافات والحضارات التي يحتضنها المغرب، فتثري المخيلة والإبداع وتدفعه إلى الانفتاح المستمر على تجارب وأنماط ٍ جديدة تعطيه زخماً لتقديم الأجمل، نابعاً من هويةٍ فكرية وفنية متجذرة في أرضها لكنها تملك أجنحة ً تحلق بها في سماوات الفنون والإبداع التي لا حدود لها.







عمر كوران رسام ونحات ولد عام 1963 في بني ملال. يعيش ويعمل حاليًا في مدينة آسفي. تخرج من المركز التربوي الجهوي لقسم الفنون التشكيلية بمراكش، يرسم بتقنية مختلطة من الأكريليك والألوان والأحبار والقطران، على دعامات مختلفة مثل القماش والورق والخشب.. شغوف بالنحت باستخدام مواد مختلفة مثل الخشب والطين والمعادن، شارك في العديد من المعارض داخل المملكة المغربية وخارجها، كالمعرض الدولي السابع عشر للفن الآسيوي والمتوسطي والإفريقي المعاصر في متحف الفن المعاصر في مدينة تشينغداو الصينية، وغيره. كما تم اقتناء بعض من أعماله في قبل متحف بنك المغرب بالرباط.
منذ عرفت الإنسان قبل الفنان ..عمر كوران و أنا ألمس فيه تشبثه بكل ما هو أصيل وجميل معتزا بهويته و انتمائه لوطنه و باحثا عن رموز و معالم تميز حضارة متنوعة المشارب محاولا التعبير بشتى الوسائل الفنية عن خواطره النبيلة للنهوظ بالفكر العربي و تهذيب الذوق و الحس الفني لذى الشباب….
إنه الرجل الخلوق المتواضع و العارف بالله …قبل الفنان عمر كوران إبن مدينتي الغالية…
إعجابإعجاب
أشكر جزيل الشكر الكاتب والشاعر خالد جهاد على هذه القرائة الفنية القيمة ، وكذالك القيمين والساهرين على صفحة حانة الشعراء وكل أفراد طاقمه.
عمر كوران
فنان تشكيلي مغربي
إعجابإعجاب