هيام علي
اللوحة: الفنان السوري حمود شنتوت
الجلسة سرية
بدأ الليل يرخي سدوله، تسلل شعاع من ضوء القمر من خلال النوافذ المفتوحة، أدركت أن الوقت قد حان، ارتديت ملابسي، فتحت حقيبتي وضعت بداخلها مصحفي ومسبحتي حتى ولو لم أقرأ أو أسبح مجرد وجودهما معي يشعرني بالارتياح، وصلت لمكاني المفضل “نادي قارون” على نفس “الترابيزة” التي اعتدت الجلوس عليها كان الُمستراح، أمامي شاشة كبيرة تعرض فيلم “الجلسة سرية” للرائع “محمود ياسين”، استغرقت في المشاهدة وهمست لنفسي: كم من الأسرار خبأنا خلف الضلوع.. أتى النادل فطلبت فنجان قهوة، أومأ برأسه مع ابتسامه خفيفه أشعرتني براحة، شيّعته بعيني ثم عُدت للفيلم.
لكنّي شعرت بيد تربت على كتفي نظرت إذا بها ملامح امرأة أعرفها ولكن عوامل الزمن وضعت بصمتها عليها بكل قسوة، من؟ سها؟ بادرتني بابتسامه ممزوجة بحزن غريب احتضنتها وقبلتها باشتياق، قلت: سنين طويلة مضت كنا حينها صغارا نلهو في نفس الحي حتى كبرنا سويا، جلست بجانبي سألتها عن حالها وزوجها وأولادها قالت: سافر زوجي للعمل بالخارج كعهده دائما، يتركني ويرحل يمكث معنا شهرًا في السنة، بينما أنا هنا أربي أولادي، قلت لها: ربّي يحفظ لك أولادك، ساد صمت بيننا، كان القمر ليلة البدر، لحظت أنها تنظر إليه بعشق غريب، حالة أعرفها جيدًا، ما بين البوح والكتمان. أحسست أنها تتحدث إليه في صمت، قاطعت صمتها: سها، نعم!
– كنت دائما ملازي الدائم كلما عصفت بي الرياح تذكريني بالله وبأن أصبر على كل ماأمر به من صعاب، دائما أنت ملاكي الجميل.
– ابتسمت بحزن وقالت: كانت أيام ومضت بكل ما فيها، تغيرنا، لم نعد كما كنا، رن هاتفها على الطاولة وإذا بكلمة حبيبي تظهر على الشاشة، اضطربت ملامحها، نهضت فزعه، ودعتني، وفي لحظة البرق غابت عن ناظري، الجلسه سرية مازالت تتوالى أحداثه على الشاشة.
سائق تاكسي
يوم مر علي كأي يوم عادي، عند وصولي إلى عملي جلست أتفقد من حولي لعل أحداً منهم يلهمني قصة أكتبها، فما الوجوه سوى قصص تمر من خلال أعيننا، وما أكثر ما تُخبه تلك الوجوه.
مرت الساعات شعرت بالملل، جمعت أوراقي وحقيبتي وغادرت المكان، نظرت حولي لعلي أجد سيارة أجرة تحملني بهمومي نحو بيتي، أخيراً لوحت لواحدة بيدي، فلبى السائق طلبي، ركبت، ويا ليتني ما فعلت، سألني إلى أين؟ وصفت له المكان ابتسم لي، وبدأت الرحلة، رجل سبعيني العمر بقوة شاب عشريني لا يتجاوز هذا الحد ممتلئ الجسد، عبر أغنية لوردة، سافر بي لبعيد، حيث تشدو (وعملت إيه فينا السنين)
ومن هنا بدأت الرحلة تذكرت ماكنت أخشاه، حبيب غادر عبر السنين، حفر في قلبي جرحًا لم يندمل، وعندما حاولت التملص من تلك الذكريات، انحدر بي إلى منعطف آخر أكثر حزنا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، حياة لا روح فيها أفتش بين طياتها عن سعادة مفقودة، وعند شرودي نسيت مكاني الذي أشرت إليه، فقلت له في لحظة يقظة، توقف هنا، ابتسم وقال لا ليس هنا بل هناك، وأشار بيده نحو مكاني الصحيح، ابتسمت في خجل، نعم هناك، أفقت على صوت أمي يأتيني من جب عميق: يا بنتي اللي واخد عقلك “، فأدركت سرّ محنتي وشقائي