خالد جهاد
اللوحة: من أعمال الفنان ديلاور عمر
«أعتبر نفسي هاوياً للفن التشكيلي، وأحاول البحث عن الأمل في الألم بالتركيز على معاناة شعبنا وجهوده في التخلص من الظلم بجميع أشكاله، رغم تلك المعاناة والمآسي هناك دائما أمل في ملامح المظلوم، وتركيزي دائما يكون على تلك النقطة، فأحاول أن تكون لوحتي صوتاً لذلك الطفل الذي يبكي، والجد الذي يمشي، والجدة التي تنتظر» – ديلاور عُمر.
لا تشكو بلادنا من قلة الموارد ولا من قلة المواهب أو المبدعين، بل كانت مشكلتها دائما ً في الصوت.. الصوت الواحد ذو النمط الواحد والتفكير الواحد والاتجاه الواحد والنظرة المحدودة التي تلاشت بمرور الوقت وخلقت تياراً رافضاً لها كلياً في مختلف المجالات، فاحتكار أسماءٍ بعينها تحمل ذات الانتماءات وسيطرتها على المشهد جعلت البقية تشعر بالإقصاء والتهميش، والذي مارسته بدورها أيضاً الأصوات والتيارات الجديدة كردة فعل على من سبقها على أكثر من صعيد، وفي أكثر من ميدان من ميادين الحياة والثقافة والفكر والتي لا تنفصل بدورها عن الواقع والمشهد السياسي والاجتماعي فيكمل بعضه بعضا ً، فكان هناك على الدوام صراعٌ بين الأجيال بين الرعيل الأول والجيل الذي أسس للمرحلة الذهبية في بلادنا وبين الجيل المخضرم الذي تلاه وصولاً إلى الجيل الجديد والذي بدأ يتفرع إلى أشكالٍ وأنماطٍ مختلفة مهما كان الرأي حولها.
وليس من الممكن تغيير المشهد إلا بإعادة النظر فيه ومحاولة تصحيحه من خلال التواصل بين الأجيال والتكامل فيما بينها، حيث تمد الأسماء صاحبة الخبرة والتجربة يدها للمواهب الشابة من جهة، كما يجب أن يقوم الشباب بتقدير واحترام تجربة من سبقوه من جهة أخرى، وأن يكون تقييم أي عمل أو جهد استناداً إلى معياري الكفاءة والموهبة لا غير، بعيداً عن أي معايير أخرى أو أي وساطات أو شللية أو تصنيفات وتحزبات ليحظى المشهد بالتنوع والغنى الذي يكسبه ثقلاً وقيمةً، ويعود على الناس والمجتمع من خلال خلق مناخ صحي قادر على الارتقاء بذائقة ووعي المواطن البسيط مما يجعله أكثر تفتحاً وقدرة على تحسين واقعه، لأن الثقافة والفنون والآداب والعلوم وجوهر الأديان وكل جهد إنساني لا ينفصل عن بعضه البعض ولأن طبيعة البشر مزيجٌ من كل هذا.
وفي الساحة الفنية على امتداد بلادنا نحظى بمواهب وأسماء متميزة من كافة الأجيال والثقافات وأحببت أن تكون الإضاءة هنا على أعمال الفنان السوري الكردي ديلاور عمر.
فأغلب أعماله تتسم بمسحةٍ إنسانية صادقة ووجعٍ صارخ يجسد معاناة البشر بشكل ٍ عام ويسلط الضوء على الألم السوري بشكل ٍ خاص، وهذا ما نراه بوضوح في الكثير من لوحاته التي تتطرق إلى مشاهد الحزن والفقدان واللجوء والخوف ونظرات الإنسان التائهة والتي تحدق دائما ًفي اتجاهات متناقضة وكأنها تحاول التنبؤ بمصدر الخطر القادم لتفر منه، فتبدو مفردات القهر وأيقوناته حاضرةً بقوة من خلال وجوه اللاجئين والنازحين والمفقودين إضافةً إلى المعاناة التي ترتسم على ملامح الأطفال بين بكاءٍ أو وحدةٍ أو المشي بعينين معصوبتين، ونلحظ وجوداً خاصاً وطاغياً للون الأحمر بتدرجاته إلى جانب اللون البرتقالي في مزيجٍ يجتمع في الكثير من لوحات الفنان ديلاور عمر، في إشارة ٍ إلى النار والدم وحالة الهلع التي خلفتها وغلفت الأجواء، وتسربت إلى أبعد نقطة في الشعور فأحرقتها وتركت لها ذاكرةً مليئة بالشجن والمرارة..




ونرى أيضاً حضوراً خاصاً للأجداد والجدات وكأنهم حارسٌ للذاكرة والذكريات في مشاهد يتصدرون فيها مسيرة لجوءٍ طويل سيراً على الأقدام، أو في مشاهد أخرى يديرون فيها ظهرهم للواقع بحثاً عن حياة بعد أن خذلتهم الحياة، كما نلاحظ أن المرأة هي خير رسولٍ للمشاعر في لوحات الفنان ديلاور عمر فنراها تجسد مختلف الانفعالات من النقيض إلى النقيض عبر أعماله تاركاً لها المساحة للتعبير عن مفردات الوجع الإنساني الذي يختلط بصراع البقاء الذي يشترك فيه مع الحيوان، فنرى الخيل والطيور يظهرون بحالات ٍ متباينة بين ألمٍ وأمل وكأن مصيرهم واحد ومرتبط ببعضهما البعض.
ويظل للحب والجمال مساحةٌ في لوحات فناننا حيث نرى مظاهر للحميمية والفرح من خلال بعض أعماله التي تحتفي بالحب، كما تمزج التراث الكردي وأزياءه وأهازيجه بملامح البهجة والسعادة والتماهي مع الأرض والبساتين والأزهار، وإبراز الجانب الجميل والمميز الذي لا نعرفه عن الثقافة الكردية في مشهدٍ عابق بالألوان وحب الحياة.




فنجد أن أعمال الفنان السوري الكردي ديلاور عمر هي محاكاة للواقع وانغماسٌ في أعماقه بحثاً عن ضوءٍ في نهاية النفق المظلم، وايصالاً لأصواتٍ لم يعتد الناس الاستماع إليها وتقدم القصص برؤيتها ومن زاويتها لتفتح لنا أفقاً جديداً، يستوعب الجميع ويحتفي بالحياة ويؤكد على أن الإنسان هو الإنسان في كل مكان.
ديلاور عُمر فنان تشكيلي سوري – كردي مواليد دمشق ١٩٨٦، ويقيم في سويسرا. درس الفن دراسةً خاصة، وشارك في العديد من المعارض الفنية منها:
معرض بجامعة أوسلو بالنرويج – ٢٠١٠، معرض في مدينة ايكل بسويسرا – ٢٠١١، معرض مشترك في لبنان – ٢٠١٣، معرض مشترك في فرنسا – ٢٠١٥، معرض فردي في مدينة لوزان بسويسرا ٢٠١٧، معرض فردي في جنيف بسويسرا ٢٠١٨، معرض فردي في اليونان – ٢٠١٨، وأصدرت الجهات الرسمية طوابع بريدية تحمل بعض رسوماته.
