حنان عبد القادر
اللوحة: الفنان المكسيكي ألفريدو رودريغيز
لم أكن على سجيتي وأنا أعود إلى المنزل بعد يوم دراسي شاق، لم أتجاذب أطراف حديث مع زميلاتي، ولم أرد على دعاباتهن… الأفكار تتزاحم في رأسي… دق قلبي بعنف عندما خطر ببالي أنه في خطر… كيف أمضى يومه؟.. كيف تناول طعامه؟.. هل ينام الآن أم مازالت نيران الحمّى تقض مضجعه؟
أسئلة كثيرة.. لا إجابة، لم أرد تركه وحيدا.. لكنه أصر، تحت ضغوطه انصرفت، لا يريد أن يفسد علي يوما دراسيا مهما، لكنتُ مازلت معه..
حمدت الله أن الطريق المؤدي إلى المنزل شارف النهاية، ودعت صديقاتي، دخلت الشارع.. ثوان وكنت أمام باب غرفته.
طرقت.. لم يجب.. ازداد خوفي.. ناديته بتوجس..
جاءني صوته واهنا: من؟
- أنا…..
- اتركيني أستريح.
تراجعت على مضض؛ آثرت أن أطيعه.. القلق يقتلني..
سألت الصغار: ماذا فعل أبوكم اليوم؟
جاء ردهم يؤجج خوفي.. طرقت الباب بقوة.. آمرا يقول: ألم أقل لك أريد قسطا من الراحة؟!
تراجعت.. جلست أمام باب الغرفة.
هو هكذا.. عندما يمرض يعتزلنا؛ كأن إباء نفسه يمنعه طلب شربة ماء.
ترقرقت دموعي.. سرعان ما أخفيتها حتى لا يراها الصغار.
تعالت ضحكاتهم، وجلجل صراخ لهوهم البريء في أنحاء المنزل.
أحسست مزلاج بابه يفتح،أسرعت واقفة، دفعت الباب في خفة، بهدوء تسللت إلى الداخل.
رفع رأسه المنهكة من بين يديه:
- مازلت بملابسك؟!
- مابال آلام جسدك؟!
- الحمد لله.. منه الداء وعنده الشفاء.. ماذا فعلت اليوم بالمدرسة؟
- الأستاذ محمد أعطاني جائزة اليوم.. أحرزت المركز الثاني في اختبار الفيزياء، والأستاذ منصور أرسل لك رسالة.. والأستاذة فيوليت……..
عاد يجلس القرفصاء على سريره واضعا رأسه بين كفيه.. أحسست باختلال جلسته.. دنوت منه.. تحسست يده.. جمرة وجدتها.. مسحت رأسه، رفع إلي عينين فارقهما الوسن.
- لماذا لم تطلب بعض الماء أو الطعام؟..
فرت دمعتان حارتان من عينيه.. مسحتهما بيدي؛ فانهمرت سيول.. دس رأسه في صدري.. ضممتها بشدة.. طفلا تشبث بي.. بكيت؛ فاختلطت العبرات.. سمعت حشرجة صوته:
- سأموت.. سأموت ومازلتم صغارا..
- لا تقل هذا.. ستحيا من أجلنا..
لم أره قبلا هكذا.. بالأمس كنا نخافه.. نرتعد لسماع صوته.. جبارا كان؛ صرنا بخيال الأطفال نتمنى موته.. منذ رحيل أمي، ونحن في حمى الله ثم رعايته.. لم يكل من خدمتنا؛ لكنه كان شديد القسوة والخوف معا.
رفع رأسه بهدوء: أريد أن أنام.. تمدد في فراشه.. مددت يدي لأجذب الغطاء على جسده المنتفض، نهاني بحزم.. مد يده ببطء شديد جاذبا الغطاء، وأغمض عينيه.
ألقيت نظرة إشفاق لهذا المتجعد.. تسللت، أوصدت الباب، تناهى إلى سمعي صراخ الأطفال وضحكاتهم في مرحهم البريء.
قصة رائعة و خيال جميل فيه الكثير من التشويق و الابهام
إعجابإعجاب