التشكيلية ريما الزعبي.. ريشة متجددة تسابق الزمن

التشكيلية ريما الزعبي.. ريشة متجددة تسابق الزمن

خالد جهاد

اللوحة: من أعمال الفنانة

قلب الإنسان معجزة حقيقية، تتخطى أي حدود أو حواجز، وبقدر ما نبدو مختلفين كبشر لاختلاف ثقافتنا بطبيعة الحال، الا أننا نفاجئ بأن هنالك الكثير مما يجمعنا دون أن ننتبه له، في تناغم فريد يرقص بتوازن على أنغام المشاعر الإنسانية المغروسة في وجدان كل منا، تنبع من طفولتنا ومشاهداتنا، التي وسعت آفاقنا ومداركنا وخلقت مساحاتٍ جديدة في الخيال والعقل والشعور بكل ما يحيط بنا وكأننا نطير على بساط الريح.. 

ذلك البساط الذي يملكه قلةٌ من الناس ويقدرون على جعلنا نطوف معهم في هذا الكون لنرى الدنيا بأعينهم ومن خلال أعمالهم، تماما كما تملكه الفنانة السورية ريما الزعبي كامرأةٍ مسكونةٍ بالحكايات.. حكايات البشر والطرقات وتفاصيل البيوت الدافئة الحميمة التي تحملها معها متاعاً، زاداً، وذخيرةً في ترحالها الدائم بين الشخصيات والأماكن والوجوه، وكأنها سيدةٌ اختارت التوأمة بين الأضداد بين التجذر والارتحال، بين الحلم والحقيقة، وبين الأمنية والواقع في سباقٍ محموم مع الزمن، كساعةٍ رملية ترقبها بإحدى عينيها فيما تسافر مع ريشتها ولوحاتها بعينها الأخرى وسط ضجيجٍ متصاعد في أعماقها تخفيه ملامحها الهادئة التي تتحدث بلغةٍ واحدة هي الفن.

أعمالها تبدو وكأنها نوعٌ من المشاركة والبوح الراقي في مشاهد متعددة ممتلئة بالصخب والمشاعر التي لا تهدأ وتمس الكثير منا عبر ثورةٍ لونية تقدم من خلالها رؤيتها للحياة، ورغم أن البعض قد يصنفها أو يراها من زاويةٍ أنثوية إلا أنها طريقتها التي تميزها في الاحتفاء بالأيام أو تجاوز عقباتها لتصنع منها جسراً مرصعاً بلوحاتها التي لا تقل أهمية عن الكثير من الأسماء العالمية، وهو ما مكنها من إقامة العديد من المعارض التي احتضنت أعمالها في العديد من المدن حول العالم، وجعل من لوحاتها أغلفةً للعديد من الإصدارات في أكثر من بلد عربي، وما يميز لوحاتها هو اتساقها مع أسلوب فنانتنا، وتناغمها فيما بينها وكأنها سلسلةٌ بصرية ممتدة تواكب حياة الإنسان والشوارع التي تتنفس الصعداء عبر أعمالها، فتنبت لها رئتان وتنبض بتسارعٍ متشح بالحنين حاملةً معها مدنها التي تنثرها كما ألوانها في صورٍ تجمد الزمن واحساسنا به، وهو ما نشعره كثيراً عندما نتجول في رحاب لمساتها، فالرسم هو حياةٌ متكاملة لريما الزعبي تضخ فيها من حياتها وأنفاسها لوحةً تلو الأخرى دون اكتفاء وكأنها متعطشةٌ إلى رسم المزيد على الدوام، لكنها تعود دائما إلى دمشق.. إلى الأرض والوطن بأبعاده الوجدانية التي تراها فتدفعك للبحث عنه في ملامح الناس وفي تفاصيل الشام البسيطة، والتي تظل لغزاً عصياً على الحل يحض المتفرج على التساؤل عما تعنيه، حيث نجد عدة وجوه لدمشق بين الطابع التراثي والشكل الحديث في اشارةٍ لخصوصية هذه المدينة المتجددة منذ فجر التاريخ ونجد فيها دوماً متسعاً للجميع..

ويستطيع المتتبع لأعمال ريما الزعبي منذ سنوات أن يلاحظ طفرةً وتغيراً كبيراً في شخصيتها الفنية خاصةً في السنة الأخيرة، معلنةً بدء مرحلةٍ مختلفة أكثر نضجاً وتألقاً.. فنرى حالةً من الإصرار على الفرح في وجوهها وشخوصها والحالات التي يظهرون بها وكأنها تكتب فصلاً جديداً من مسيرتها وبفلسفةٍ ورؤية جديدة تتسق مع أفكارها وتنعكس على نتاجها الذي أصبح أكثر قوةً ووضوحاً وجرأة، حتى على صعيد اللون الذي عاش تحولاتٍ في أعمالها ووصل الآن إلى مرحلة التمكن والانفجار والانطلاق بعد مرحلةٍ اتسمت بالرصانة والكلاسيكية التي يشوبها حزنٌ خفي قررت أن تضعه جانباً لتبرز طاقاتها وتعطي كامل إحساسها وشغفها لتلك المساحة البيضاء التي تتحول إلى كرنڤالٍ يضج بالجنون والذكاء، والذي قرر أن يسبح عكس التيار ليفتح نافذةً جديدة تطل على أحلامٍ لم تعبث بها يد إنسان، رسمتها ريشة مبدعةٌ لا يملكها سوى فنان..



ريما الزعبي فنانة تشكيلية سورية، درست الفنون الجميلة والهندسة المعمارية في موسكو، أقامت 15 معرضًا شخصيًا وشاركت في عدد من المعارض والمسابقات في عدة دول منها روسيا وقطر وسورية والكويت وهنغاريا وقبرص، ولها مقتنيات من أعمالها في عدد من الأماكن العربية والدولية.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s