اللوحة: الفنان العراقس سنان حسين
جامبو
دخل مكتبي ثائرًا غاضبًا. لكن حين لفحه هواء «التكييف» البارد, استرد بعض وعيه, نظر في وجوهنا ثم قال: لي حق عندكم وأرغب فيه, هو مبلغ مالي لديكم منذ فترة.
أخبرته بتوءدة: أننا قوم لا تضيع الحقوق بينهم, غير أن الظروف صعبة للغاية هذه الأيام, بخاصة وأننا على أعتاب نهاية سنة مالية وكما تعرف يا…
لكنه قاطعني بسرعة بإشارة من يده. بعدما نفض البرودة بعيدًا عن رأسه, زعق وهو يغادرني: حقي سأناله في الآخرة, «لما أروح الجنة», هناك سأجد فاكهة من كل صنف, ثم أدار رأسه إليّ وأكمل حديثه: وجمبري من النوع «الجامبو», وسمك..
لم أدعه يخرج, إذ ناديته وقلت: من يضمن لك أنك ستذهب إليها؟ لربما يكون مصيرك في الجهة المقابلة حيث «شجرة الزقوم» طعام الأثيم.
تسمّر الرجل مكانه, مط شفتيه, ذهب بعينيه لبعيد جدًا. عاد إليّ وقد انعقد لسانه عن الكلام هنيهة, ثم قال: «موش عاوز جمبري», خرج يدعو في سرّه بما شاء.
ما تيسّر
بنبرة هادئة سألَتْ: ماذا تفعل؟
رفعت رأسي إليها, تأملت تفاصيلها الدقيقة, قلت: أقرأ ما تيسّر, أفكر, أنظر إلى السقف وأتتبع بعيني نقطة ضوء تروح وتجيء, تتراقص بشدة, بينما تراودها «بعوضة» عن نفسها. أتثاءب غير أنني لم أصل بعد إلى حد النعاس, كما أقلّب صفحات من هنا وهناك.
بلهجة حاسمة, قالت: أكتب, لا تتردد ولا تهدر الوقت.
فقلت: عمّن؟
فقالت: عن دُنيتك الجديدة, عن حُلمك الذي يراودك صبيحة كل يوم ومساءه, عن الحياة بمذاقها الشهي الممزوج بقهوتك المفضّلة لديك, التي تشربها بمقهاك البعيد بطرف المدينة.
فسألتها: كأنك تطلبين أن أكتب عنك!
فقالت بدلال: هل هناك غيري يستحق؟
فأقسمت لها: حتى وإن فعلت فلن يطاوعني الحرف, ستهرب منّي الكلمات, ستغيم الرؤية حتى تصبح صحراء قاحلة.
لكنها قاطعتني وبلهجة حاسمة رقيقة, قالت: أكتب. لا تتأخر عليّ.
فقلت: أفعل, فالكتابة عنك فرض, نسيانه خروج من الملّة.