أيها الحزن.. لم زرتني مبكرا؟

أيها الحزن.. لم زرتني مبكرا؟

نور الهدى حسين

اللوحة: الفنان الإسباني بابلو بيكاسو

في إحدى ليالي نوفمبر الباردة ولدت لأكون الابنة الوحيدة، كبرت كما يكبر الناس تعذبت كما يعذب الناس، خسرت كما يخسر الناس، ولم أتألم كما يتألم الناس! بكيت لفترة من الزمن، وتوقفت بعدها عن البكاء للأبد! حتى عندما فقدت أعزائي وأحبابي لم أبكِ، واكتفيت بالصمت القاتل! وصفتني أمي بالجليدية القاسية ولم تسألني عن مصدر تلك القسوة. 

أصبحت فتاة كبيرة يملؤها البؤس والخذلان، تعشق الموت لأنها ملت من هذه الوحدة والعيش داخل خيالها. في الخيال، نغوص، ونعوض النقص الذي يجتاحنا، 

في الليل نحلم بمنزل خالٍ من الهموم، وفي الصباح نعيش داخل هذا الحلم.

على زوايا الهامش أكتب، عندما يصيبني المرض أفرح؛ لأني سأعرف كيف يكون الألم وطعم الدموع. ولدت في زمن سيء وأرضٍ قاحلة، أرض للطغاة والمجرمين 

ولا مفر منها، وعلى الهامش، أبكي قليلاً وأقول: لست وحدي الحزينة، فهناك الكثيرون مثلي، ولكن أنا وحدي لا أحد يشاركني هذا الحزن عليَّ.. حاولت أن أنسى ما حدث، ولكن تلك الذكريات المفزعة لا تكف عن العودة وبقوة لمخيلتي، أخاف الموت ولكني أرغب به. 

دموعي تنهمر، تحثني على البكاء ونشر الفوضى بداخلي، تدعوني أن أصرخ بالحياة: أيتها الظالمة، لم تجعلينا كالموتى؟ نمشي مثقلين بالهموم؟ وعندما نجلس نبكي على الأطلال؟ وعندما نتحدث أول ما ننطق به هو الانكسار، ثم نغني على مسارح الخذلان، وفي الختام.. نلقي خطاباً عن السعادة وكيف هي عاهرة تخدم الأغنياء والشياطين فقط، ولا تنصفنا نحن الفقراء، وعندما لا أتلقى الإجابة سأكتفي بالوقوف عند المقبرة، والعويل على الأحياء في الخارج، والعويل علي أيضا لأني حية، لأني أتنفس ولا أشعر بالألم! أتمنى الموت، وفي نفس الوقت، أهابه ولا أرغب به؛ لأني لم أعثر على الحب، لم أعثر على ذلك الكتف الذي يستحق أن أبكي على أطلاله. 

أنا مجرد بقايا فتاة يملؤها التناقض، تكتب بحروفٍ ركيكة، تمتلك بعض النصوص المليئة بالأخطاء اللغوية التي تنتظر من يصححها، أنا فقط أكتبها؛ لأخرج فيها بؤسي، أتنقل فيها بين الشعور واللاشعور، أكتب فيها عن الحب والموت، وأزينها بالحزن والبؤس.. هذي أنا كئيبة حزينة، وعشوائية بائسة، مجرد جثة تنتظر إكرامها، جثة مجهولة لامرأة عجوز تختبئ تحت جلد فتاة عشرينية. 

أقف عند الحافة أنوح وأرثي لحالي، كيف لهذا أن يحدث؟ ولم أنا من بين الجميع؟

لماذا زرتني في هذا العمر المبكر أيها الحزن؟ وسرقتني مني؟ جعلتني مسخا لا فائدة منه، لماذا الحياة غير عادلة مع الضعفاء، تكسرهم وتذيقهم العذاب الأليم، ولا تعطيهم إلا الشرود والهموم وتجعل منهم جثثا حية تركض خلف لقمتها؟ وكيف لها أن تفرق بيننا -الآباء والأبناء- وأن تسرق الأحباء منا؟ وأن تأخذ منا القلوب الصافية وتبقي لنا الملوثة السوداء؟ إنها الحياة تلعب معنا لعبة التناقض غير العادلة، فهل تريد المزيد؟ وإلى متى؟

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s