د. جمال عبد الرحمن
اللوحة: الفنان الإيطالي باولو أوتشيلو
شارك متطوعون عرب إلى جانب قوات الجمهورية، في الحرب الأهلية الإسبانية، وهو أحد الأسباب التي أحدثت تغيراً كاملاً في موقف الفكر الإسباني من الحضارة العربية الإسلامية، حيث وقف اليسار الإسباني موقف الرافض للثقافة العربية، بينما أيد المحافظون الإسبان العرب والمسلمين، ومن جملة الأسباب التي دعت العرب لتأييد فرانكو فهو وضوحه في أنه «يتفهم» تطلعات شعب المغرب ورغبته في الحرية، ولا يمانع في منح الحكم الذاتي – بل والاستقلال – للمغرب. إضافة إلى عوامل أخرى منها: الفقر، ورغبة أهل المغرب في امتلاك السلاح لمحاربة المحتل، كما أن البعض تم اختطافه من قبل قوات فرانكو، والبعض الآخر ذهب طمعا في الحصول على المال.. وغير ذلك من الأسباب.
إذا كانت هذه هي أسباب المغاربة في الانضمام إلى فرانكو، فما هي الأسباب التي دفعت الجنرال الإسباني إلى الاستعانة بالمغاربة؟
1-فى البداية لا يخفى على أحد أهمية العنصر البشرى، فالاستعانة بالمغاربة كانت تعنى ببساطة التضحية بهؤلاء حفاظا على حياة الإسبان من الجنود والضباط.
2-فى الوعى التاريخى االإسباني كان “المورو” يثير الفزع لدى الإسبان(١) ومن هنا كان استخدام فرانكو لهم ضربا من الحرب النفسية ضد أنصار الجمهورية (بل إن الفظائع التي ارتكبها المغاربة كانت في أحيان كثيرة بتحريض من الضباط الإسبان كنوع من الحرب النفسية)
3-أثبتت التجربة أن الجنود المغاربة كانوا أكثر فائدة في الحرب، فقد حدث أن حققت قوات فرانكو تقدما ملحوظا في الجبهات التي كان المغاربة يحاربون فيها.
قابل الجمهوريون الحرب النفسية بحرب دعائية لا تقل أهمية، فقالوا كيف يتأتى أن يحارب المغاربة جنبا إلى جنب مع جلاديهم مع أن الأحرى بهم أن يقاتلوهم، ودعوهم إلى الانضمام إلى القوات التي تحارب فرانكو.. قالوا كذلك إن وعود فرانكو لهم بالمال محض خيال، وقالوا أيضا إن على المغربي أن يرحل من إسبانيا، على أن يحمل سلاحه معه لكي يستخدمه ضد من يحتل أرضه.
وقد حققت الحملة الدعائية الجمهورية بعض النجاح، وحدث أن استجاب البعض لنداء الجمهوريين وانضموا إليهم؛ مما أدى إلى ضرورة الاستعانة بمترجمين.
يتحدث كثير من الناس عن وحشية الجندي المغربي التي ظلت عالقة في أذهان الأدباء الإسبان ممن عاصروا الحرب الأهلية وشهدوا ويلاتها، لكننا لو استعرضنا بعض المعلومات لتبين لنا أن الجندي المغربي كان ضحية أكثر مما كان جلادا:
– كانت حكومة الجمهورية الإسبانية هي التي بالغت في الدور الذي لعبه المغاربة في الحرب الأهلية، وكان ذلك لإخفاء أخطاء استراتيجية وقع فيها قادتها العسكريون والسياسيون على السواء. ففي غمار الحرب كان أهل المغرب يطالبون الجمهوريين بالاستقلال مقابل تخليهم عن مساندة فرانكو، لكن رد حكومة الجمهورية كان مدعاة للضحك: لقد اقترح أحد القادة تحمل نفقات سفر الزوجات المغربيات إلى إسبانيا لكى تقنع كل منهن زوجها بإلقاء السلاح والتخلي عن فرانكو.
-كان بعض المغاربة قد ذهبوا إلى الحرب كوسيلة يرتزقون منها، وقد حدث أن تأخر فرانكو في صرف رواتبهم مما أدى إلى تذمرهم وكان أن صرح بعض ضباط فرانكو للمغاربة بسلب ونهب بيوت الجمهوريين لضرب عصفورين بحجر واحد: كتعويض للجنود عن رواتبهم التي لم تصرف لهم، ولإشاعة الفزع بين الجمهوريين واستغلال ذلك في الحرب النفسية.
-الفظائع التي ارتكبت في الحرب الأهلية الإسبانية لم تكن حكرا على المغاربة بل كانت قاسما مشتركا بين الجميع.
المغاربة الذين اشتركوا في الحرب الإسبانية دربها الضباط الإسبان، وكانوا يستخدمون أساليب التنكيل ضد الوطنيين المغاربة من إحراق البيوت وقتل المدنيين فلما اشترك الجنود المغاربة في الحرب طبقوا الأساليب التي كان يطبقها الضباط الإسبان في المغرب
-غالبية الجنود المغاربة الذين اشتركوا في الحرب الإسبانية كانوا من بين القوات المحلية التي تلقت تدريبا على يد الضباط الإسبان الموجودين في المغرب، وكان من الشائع آنذاك استخدام كل أساليب التنكيل ضد الوطنيين المغاربة من إحراق البيوت وقتل المدنيين والتمثيل بجثث الثوار، فلما اشترك الجنود المغاربة في الحرب طبقوا نفس الأساليب التي كان يطبقها الضباط الإسبان في المغرب.(٢)
انعكس كل ذلك في الأدب الإسباني المواكب للحرب الأهلية كما سنرى فيما بعد. لدينا نماذج من الأدب الذي سطره المناصرون لكل طرف، ولكننا سنكتفى الآن بعرض صورة الجندي المغربي كما ترد في أشعار الجمهوريين.
(١)راجع الحقيقة والأباطيل حول ما نسب إلى الموريسكيين خلال القرن السادس عشر وما صوّره الكتاب في أعمالهم.
(٢)هناك من يتحدث بالفعل عن دافع الانتقام: مادارياغا.
حانة الشعراء 