أفكر.. كيف نفكر؟

أفكر.. كيف نفكر؟

أسماء ناصر العنزي

اللوحة: الفنان الإسباني خوان ميرو

أفكّر.. أكتب.. أكتب لأني أفكر! 

هل تأتي الأفكار لعامل بناء سيبيت الليلة مع ستة من أصحابه في غرفة مشتركة؟ هل تأتيه الرّغبة بالتّدوين؟ بالاسترسال في الكتابة؟ إذا كانت الإجابة بلا، فعليّ القول بأن الكتابة، القدرة على الكتابة سلوك أنانيّ. 

على أية حال آينشتاين لم يحمل دفترًا في حياته، هل كان يفكّر إذن؟ لا أدري، أفكّر فيما يكتبه النّاس، أُفكر الآن في كيف نفكّر؟ كيف ننتج الفكرة؟ كيف تنبثق فجأة في مخيلاتنا؟ كيف تفلت الفكرة من بين أيدينا؟ كيف نجهضها؟ هل يلتقي حيوانان منويّان؟ كيف تتزاحم ولا يفوز بحظوة التذكّر إلا واحد؟ 

شبه الكاتب الفلسطيني يامن نوباني إفلات الذكريات بإفلات رمال الشاطئ من راحتينا، اختلستُ منه هذه الفكرة قبل سنتين ربّما، الأفكار مستعملة، “سأرجع لهذا لاحقًا”.

كتب الجاحظ عن الحيوان، صار رمزًا، ما الذي يثير الإعجاب في كون المرء يكتب عن بيئته؟ يقص ما يدور فيها، ويحكي عما يعيش في أجوائها؟ يمكنك الآن أن تعرف سرّ إعجابي بالحكائين، أشعر بأن قلبي يرف حين يكتب راشد قصّة جميلة، كتبتُ مرّة قبل أن أنام بدقائق أن القصاصين أطفال، تخيل أن أحدًا ينسج عالمًا كاملًا لأجل أن يحكي؟ أمر دافئ! مهند الذي انتحر في غزة كان يكتب القصص أيضًا، القصص قتّالة، لماذا يقدّس النّاس ما يعرفونه عن الحياة والبشر؟ هناك أستاذ من جامعتي لا يجيد الشّرح إلا من قصص حياته، ٩٩.٤٪ من محاضراته كنت أضع فيها سماعاتي؛ لأستمع لمحاضرات أخرى، قصص أكثر جودة.

قرأت في مقال، مقولة للكاتب ميلات كونديرا، أننا نكتب لأن زوجاتنا لا يسمعوننا، أو أن أبناءنا لا يكترثون بنا، وهو بدوره استنتج هذه الفكرة من سائق أجرة، أفكّر في أن ما يكتبه النّاس كلّه، كتب من قبل، تكتب النخبة عما تقرأه في الكتب، تجمعه في منشور، يهلل النّاس، هذا أمر مضحك، كان تشرتشل يشعر بالضّيق من الرّومان، لأنهم عرفوا كل شيء، ونسب لهم كلّ شيء، تشرتشل كان متضايقًا حتى في وقفته، رأيت هذا في فيلم: 

The hardest Hour وفي the kings speech ، الممثل القائم بدور تشرتشل كان مختلفًا، شعرت بالضّيق، أحبّ الضيق، أذكر أني وضعت دائرة على كلمة «الاستياء» في السطر الذي يرى فيه جوستاف لوبون أنها (الاستياء) هي مفجرة الثورات، كنتُ غضة، ألتقط الكتب دون تفكير، أغلق الكتاب، أتفاجأ بسيل من الاستهجان للوبون، ولغيره. 

مواقع التواصل مشتتة، تكتب فكرة يعرّيها أحدهم من جهة، تؤيده، ينقضها آخر من جهة أخرى.. هل عليك كفرد أن تحظى بكل ما هو جديد؟ ربّما، رأيت في صفحة «هيومانس أوف نيويورك» في الفيسبوك، رسّامة لطيفة مكتئبة من فكرة أن كل الأفكار رسمت، إحدى الفتيات جاءت لتعزيها في التعليقات فقالت “هذا إذن يعني أن كلّ الكلمات قيلت”، شعرت بأنها مغالطة.. رأيت شيخًا على تويتر يقول بأن المغالطات لا تكون خطأ بمجملها! 

بودّي لو نجمع كل رجال الدّين في مصنع أو ورشة، فإن لديهم قدرة هائلة على القولبة والتّشكيل.

لقد أفلتت مني فكرة-أفكار عديدة- في هذه اللحظة.. وهذا السّطر، وهذه المساحة أيَضا، بمثابة التابوت لها.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s