«سيدة المصباح».. فلورنس نايتينغل رائدة التمريض الحديث

«سيدة المصباح».. فلورنس نايتينغل رائدة التمريض الحديث

زيتا بالينجر فلتشر

ترجمة: حانة الشعراء

اللوحة: الفنان الإنكليزي جيري باريت بعنوان «نايتينغل تستقبل المرضى»

يصادف اليوم – 13 أغسطس – ذكرى وفاة فلورنس نايتنجيل، Florence Nightingale الممرضة البريطانية الثورية، والعاملة الإنسانية التي يُنسب إليها الفضل في وضع حجر الأساس للتمريض الحديث.

تميزت نايتنجيل بشجاعتها وإبداعها في رعايتها للجنود الجرحى خلال حرب القرم (1853-1856). وأنقذت جهودها عددا بيرا من الأرواح، وشكلت تجربتها في زمن الحرب الأرضية التي بنيت عليها ممارسات الممرضة الطبية المحترفة.

كانت حرب القرم نزاعًا دوليًا دمويًا وغير منظم، شاركت فيه جيوش المملكة المتحدة وفرنسا والإمبراطوريتين الروسية والعثمانية وسردينيا. ربما تكون الحرب هي الأكثر تميزًا في الوعي الحديث، وقد عبر عنها الشاعر الإنجليزي ألفريد تينيسون من خلال قصيدته «هجوم لواء الخيالة الخفيف» التي تروي عملًا شجاعًا ولكنه محكوم عليه بالفشل من قبل الفرسان البريطانيين، خلال معركة بالاكلافا في أكتوبر من العام 1854.

ومع كل ويلات الحرب، إلا أن المرض والإهمال أديا إلى مقتل الجنود البريطانيين بشكل أسرع وبلا هوادة من بنادق العدو وسيوفه. وبحلول أواخر العام 1854، كانت أمراض الكوليرا والدوسنتاريا والحمى قد فتكت بجنود الخطوط الأمامية في تركيا. فوفقًا لمجلة بحرية وعسكرية في العام 1885، فقد حُرم جنود القوات البريطانية من الفرش والخيام وأجبروا على الاستلقاء على أرض باردة مبللة. ولم تكن عربات الإسعاف تستطيع أن تقدم شيئاً، إذ كانت في حالة سيئة. وكان الرجال المصابون وكذلك المرضى يموتون بسبب نقص الغذاء والدواء. وعانى الجنود الأصحاء من الإرهاق الشديد أثناء محاولتهم القيام بواجبات إضافية لإنقاذ رفاقهم المرضى أو الذين سقطوا في المعركة.

في كتابه «قصة تاريخية للجيش البريطاني» كتب الصحفي يواكيم ستوكويلر عام ١٨٥٦ «تغير هذا الوضع الرهيب بشكل جذري بعد وصول فلورنس نايتنجيل البالغة من العمر 34 عامًا، برفقة مجموعة من 38 امرأة جريئة، إلى المستشفى العسكري البريطاني في سكوتاري بتركيا، وبينما اشتهرت فلورنس بلطفها إلا أنها كانت تتمتع بشخصية قوية وحازمة للغاية».

ولدت فاورنس نايتنجيل في عام 1820 لأبوين ثريين في فلورنسا بإيطاليا، وصنعت طريقًا حازمًا لتصبح ممرضة – متحدية التقاليد الاجتماعية وعائلتها – حيث كان يُنظر إلى مهنة التمريض على أنها مهنة «غير محترمة» بالنسبة للمرأة الأنيقة. تدربت كممرضة في مستشفى Kaiserswerth بألمانيا عام 1851 ثم اعتنت فيما بعد بمرضى الكوليرا في لندن كمشرفة على مستشفى في شارع هارلي.

«عينت نايتنجيل من قبل وزير الدولة لشؤون الحرب سيدني هربرت لقيادة فريق عمل من الممرضات في مستشفى سكوتاري العسكري، وافقت نايتنجيل على تولي إدارة الرحلة الاستكشافية ووضعت نفسها على رأس هذه الرحلة، وعملت بجد ومثابرة، ولم تسمح بأي تأخير لا داعي له، وحسبت التكاليف بنفسها، ولم تقلص من المدفوعات على حساب المستلزمات. لقد كان سلوكها العام هادئ ومتحفظ إلى حد ما، وكان لديها موهبة الإحساس بالسخافة والقدرة على تجنبها، وحين تتحدث تتناول مسائل العمل بجدية لا يمكن للمرء أن يفعلها، لقد دربت نفسها جيداً على القيادة» وفقًا لمقال نشر عام 1862 بقلم فرانك ليزلي.

في البداية لم يتم الترحيب بنايتنجيل وفريقها النسائي القوي، من قبل الجراحين العسكريين المتمرسين في المستشفى. ومن ثم تم إلقاء النساء المحظورات من دخول عنابر الكوليرا في العمل عندما وصلت حشود الرجال الجرحى من ساحات القتال في بالاكلافا وإنكرمان، وسرعان ما زادت أعداد الجنود المصابين في المستشفى، فحشدت نايتنجيل مجموعتها بسرعة وتولت زمام الأمور. «تحت إدارتها تخلص العاملون من الارتباك الذي يسود عادة في المستشفيات الواسعة، وحل الهدوء والنظام، وأخيراً تغيرت اعتقادات الجنود حول دور النساء عندما شاهدوا كيف يمكنهن مغادرة منازلهن والمشاركة في مساعدتهم وتخفيف آلامهم» من محاضرة الدكتور تشارلز جي بي ويليامز عام 1862 في الكلية الملكية للأطباء بلندن.

وصفت ماري ستانلي – وهي عضو في فريق عمل التمريض التطوعي – بطولة نايتنجيل في كتاب صدر عام 1856 بعنوان Eastern Hospitals and English Nurses «بعد يومين من وصولي، أرسلت لي الآنسة نايتنجيل للذهاب معها في جولة بالمستشفى، وكانت الآنسة نايتنجيل تزور حالاتها الخاصة بشكل عام في الليل.. بدا الأمر وكأنه نزهة لا نهاية لها، ولم يكن من السهل نسيانها، وبينما كنا نمر ببطء، كان الصمت عميقًا؛ نادرًا ما كنا نسمع أنيناً أو صرخة من الجنود الذين يعانون بشدة.. ضوء خافت يشع هنا وهناك.. حملت الآنسة نايتنجيل فانوسها الذي كانت تضعه قبل أن تنحني على المرضى. لقد أعجبت كثيرا بطريقة الآنسة نايتنجيل في تعاملها مع الجنود المصابين، لقد كانت لطيفة جدا».

صورة نايتنجيل التي تحضر بهدوء إلى جانب الجنود المعذبين، والنور المتوهج، تم تخليدها في الأعمال الفنية، ومن خلالها أصبحت معروفة باسم «سيدة المصباح».

استمد الجنود الراحة العاطفية والراحة الجسدية من رعاية الممرضات. تحسنت معدلات الشفاء. كتبت نايتنجيل، وفقًا لمقال نُشر عام 1858 في مجلة جامعة دبلن: «في الأشهر السبعة الأولى من حملة القرم، كان معدل الوفيات 60 بالمائة بسبب المرض وحده، وخلال الأشهر السبعة الأخيرة من الحرب، كان معدل الوفيات بين مرضانا أقل بكثير من معدل الوفيات بين الرجال الأصحاء في المنزل.. أليست هذه التجربة هي الأكثر اكتمالا في مجال الطبابة العسكرية؟»

بعد تجربتها خلال الحرب، أنشأت نايتنجيل مدرسة علمية في العام ١٨٦٠ هي الأولى من نوعها للتمريض، وفي العام 1907 أصبحت أول امرأة تحصل على وسام الاستحقاق.

خلال حرب القرم، أنقذت أرواح عدد كبير من الجنود الذين كان من الممكن أن يتم تسجيلهم كضحايا حرب. تميزت نايتنجيل باللطف والشجاعة، ولم تكن مجرد معالج، بل كانت جنديًا حقيقياً في المعركة.

كتب الدكتور تشارلز جي بي ويليامز: «مع يقظة لا تكل، وذكاء نادر، وذاكرة لا تفشل أبدًا، رأت هذه السيدة الموهوبة وفهمت كل الرغبات والمتطلبات المتعددة في الجيش والمستشفى والمعسكر والثكنة؛ في الحرب والسلام وفي المرض والصحة».

فلورنس نايتينغل
فلورنس نايتينغل – للفنانة الإنجليزية هنريتا راي
تمثال فلورنس نايتينغل – لندن
من الأعمال التي صورت سيدة المصباح – فنان غير معروف
سيدة المصباح – فنان غير معروف

قصيدة «هجوم لواء الخيالة الخفيف» للشاعر ألفريد تينيسون

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s