في حرِّ آب

في حرِّ آب

نورا أحمد

اللوحة: الفنان الإنجليزى داميان هيرست

رغم ارتفاع درجات الحرارة، والرطوبة الشديدة في هذا الوقت من العام، إلّا أن الأيام ليست بهذا السوء، ولولا أمرين لا ثالث لهما؛ لتركت نفسي للطقس الطبيعي الحار الرطب بكل حبور، ولظلّت البلكونة والنافذة مفتوحة طوال النهار.

أمّا الأول، وهو الأقل أثرًا، فهجوم سرب من الذباب على غرفتي فور أن أفتح البلكونة.. والذي بالمناسبة وجدت طريقة مناسبة للتعايش معه مع الحد من قتله،

ففي البداية كنت لا أطيق وجوده في الغرفة وأتقزز منه، ثم في يومٍ غائمٍ جميلةٌ سماءُه، عدَدتُ القتلى فوجدت أنهم كانوا أكثر من 25 ذبابة (ولست أدري هل المذكر من الذباب يسمى ذبابة، أم ذباب والتي هي صيغة الجمع) المهم، بعد أن رأيت وحشية البشر جميعهم منصبة فيَّ، قررت أن أحتال عليهم فأجلس ممسكة بـ (ضرابة الحشرات) وأبعدهم عني حتى تأتي لحظة إغلاق الباب والنافذة، وهنا ألاحقهم وأحاول طردهم باتجاه الباب، والعجيب أنهم فعلا يخرجون، وقد يتبقى منهم (كم حبّة) فأضطر لقتلهم لاحقًا.

وفي أيام كهذا اليوم، أكون في حالة من الكسل السعيد، ولا طاقة لدي لإبعادهم بحركات صارت اعتيادية، فأختار إغلاق المنافذ والاستمتاع بقهوتي بدون إزعاجهم!

والأمر الثاني هو استعباد التكنولوجيا، والذي ما زلت أبحث عن حل مناسب له! جوالي الأفندي ترتفع حرارته بدون مكيف – آه واللهِ زي ما بقول كده! يحوب (يُحب) المكيف، واضطر إذا كنت اكتب في “النوتز” أشغلّه المكيف.. وأفكر! أسائل نفسي: من ماذا يشتكي الورق؟ ولماذا هجرت الكتابة بالقلم! أنا التي بدأت بتدوين يومياتي على الورق في عمر صغير.. لماذا هجرت الورقة والقلم حقًا، كان لدي دفاتر وليس دفترا واحدا.-       “مذكراتي العزيزة، أكتب اليوم عن السماء”

–       “مذكراتي العزيزة، أكتب اليوم عن اكتشاف خرافي ألا وهو صوت فيروز! كيف لم أكن أسمع اغنياتها”

–       “مذكراتي العزيزة، سنتحدث اليوم عن صديقتي في الجامعة (فلانة) العميقة الحزينة وكيف تصير سعيدة؟”

–       “مذكراتي العزيزة، أنا حزينة اليوم لأن ….. / أو / أنا جِدًّا سعيدة اليوم بسبب…”

ربما توقفت عن الكتابة على الورق؛ لأن هذه المذكرات العزيزة، والتي كان كل دفتر منها كبنت من بنات الفكر والروح، أُتْلِفَتْ لأسباب قاهرة! وأعني قاهرة حرفيًا، لأنها قهرتني، ولم تدع لي مجالا لأدافع عن براءتي المنثورة في يوميات!

ربما لهذا لم أعد لأكتب على الورق! وربما بسبب انقطاعي الطويل عن تدوين الحياة.. وحين عدت في أواخر 2017 كان الجوال حينها أسهل طريقة للكتابة!

أمّا حرارة آب، فهي فعلًا مختلفة هذا العام، وأتذكر قبل أيام طفلتي الصغيرة وهي تعلق ضاحكة: (طالما ماما اللي تحوب الشمس وتمشي ف عز الظهر قالت حر، معناتو فعلا فيه احتباس حراري وموجة الحر جديّة)، وحصل فعلا في أحد الأيام أن شعرت باختناق من الجو والحر! فكيف بمن لا سقوف فوق رؤوسهم، ولا تكييف يجعل حياتهم على هذا الكوكب محتملة! 

الله يلطف بكل فقير مشرد ضحية حرب أو تسلط.. الله يهون عليهم مرارة الأيام وينظر إليهم بعين رحمته ولطفه.

رأيان على “في حرِّ آب

  1. مقال جميل وممتع وكلمات منمقة وليس غريب على كاتبة مثلك بالتوفيق عزيزتي

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s