نورا أحمد
اللوحة: الفنان الفرنسي دلفين إنجولراس
هل نحتال على العقل لندرج السعادة ضمنيًا كفكرة لا واعية يتبناها تفكيرنا؟
سمعت في مقطع حول السعادة للدكتور/ خالد غطاس، كيف يقيس البشر رضاهم عن حياتهم، تحدث عن بحث قُدم للشريحة المستهدفة وهم من الطلاب في عمر 18، استبيان بسؤالين والفرق بين الاستبيانين فقط في ترتيب الأسئلة:
– هل أنت راض عن حياتك؟
– كم موعد غرامي كان لديك خلال الاسبوع الماضي؟
في الاستبيان الثاني تم تبديل السؤالين فبدأ بسؤال عدد المواعيد الغرامية ثم انتهى بسؤال الرضا عن الحياة، واختلفت الاجابات كثيرًا من حيث العلاقة الارتباطية بين السعادة والحدث المسبب لها.
الشريحة التي بدأت بسؤال المواعيد الغرامية ارتبط فيها مدى رضاهم عن حياتهم بسبب وهو السؤال الأول فكانت الإجابات رضا أكبر إذا كان قد حصل على مواعيد أكثر، والشريحة الثانية كانت إجاباتها عشوائية، قد يجاب على السؤال الأول براضٍ مع قلة المواعيد او العكس!
رأي الدكتور أن الاستبيان الثاني يتم فيه استحضار معيار لقياس السعادة، فترتيب الأسئلة يحث على تذكير الهدف بنجاحه في معيار ما وبالتالي يعزز شعوره بالسعادة!
«هي خدعة على السعادة، ولكن إذا كانت تعمل، فلم لا» – كلام الدكتور.
وهو رأي مقبول بالنسبة لي نوعًا ما، إذا كانت السعادة في فعل او ترك، أعني إذا كان المرء يشعر بالسعادة عندما يأكل وجبة معينة، أو عندما يعمل، يجني المال، يصلي، يسعد آخرَ، أو مهما كانت الممارسات التي تسعد الواحد؛ فإنه من المقبول ان يضعها في المقام الأول قبل ان يحدق في السعادة بعين السؤال!
وإذ أقول نوعًا ما فلأنني لم أكن – قبل أواخر ديسمبر المنصرم من عام الفقد 2021 – أحتاج أسبابًا للسعادة ولا احتجت لآخرين سابقًا، لكن حدث وأن حضر الآخرون؛ يساعدون روحي لتخرج من محنة وجودية رماني بها فقد والدتي الحبيبة (الرحمة الواسعة لروحها) في مقتل.. كنت طفلة مدللة في حضن حبها وبحر دلالها!
ولكن روحي بعد فقدها تساقطت، لن أقول شاخت وهرمت! لأن الهرم والشيخوخة أمور عشتها وانا في عشرينات عمري! وهي أسهل من ذلك التساقط الذي كان جديدًا على روحي ولم أعتده، ولم اعرف كيف انجو منه، ولست أدري الى اللحظة الراهنة كيف، لست ادري الا ان قدرة الخالق واعجازه بعثت لي رُسلًا لمساعدتي، هل أقول قوة الحب، أم أقول سحر اللحظة التي تلبّست أيامي فكست حياتي بأنوار كثيرة اشغلتني عن عتمات الحزن! أم أمجّد اليد التي كانت كما قالت الستّ:
«ويـدٍ تمتـد نحـوي كـيـدٍ من خلال الموج مدّت لغريق»
بعد هذه التجربة الاخيرة أقر بأنني نوعًا ما اتفق مع ربط السعادة بسبب، ولو لفترة مؤقتة، حتى نتجاوز ألما ما جعلنا عاجزين عن مساعدة أنفسنا، أما فكرة المؤقت والزائل والفاني، فهي من ضمن قناعاتي الجميلة في الحياة.. لذلك لا أتمسك بأحد أو بشيء أبدًا، بل أمتلئ امتنانًا لكل من يتركني وشأني، وأكره حقًا أن أحب أحدًا حد التعلق، أو أن يحبني أحد حد الالتصاق.
ربما هي عزلة دربتني عليها الحياة مذ أول قضية حُبّ خاسرة، مرورًا بفقد والدي الحبيب ثم والدتي (رحم الله روحيهما الحبيبتان)، ثم رحلتي التي اتخذت شعار (في التخلي، تجلي)، وصولًا الى آخر فقدٍ كسرني، فقضيت ليلة كاملة بكيت فيها وصليت وسجدت مطولًا اناشد الخالق أن يريني نوري واستهدي به بمفردي!
وهذا حديث لكِ يا صديقتي التي تظنين بأنني مخذولة مؤخرًا! لم يخذلني إلا أناي، وقمت من هذه الوعكة يا صديقتي بروح أرحب وأجمل، وإيمان أكبر أنني لي وحدي! ولست مضطرة حاليًّا لربط سعادتي بسبب.
أعني صحيح أنني أنام على سرير وثير من النعم، ولكن السعادة قراري، واخترته لأنني لم أعد أطيق ذلك الألم الذي لا يحتمل، ولست إذ أكون سعيدة أخون حزن الفقد، ولا أنسى من فقدت، إنما هي ضرورات الاستمرار.
اتذكر قول الشاعر أحمد بخيت:
«بالأمس..
نجد الإجابة حين ننسى الأسئلة
لا تسألِ المذهول عما أذهله
بالأمس..
مر على المدينة
لم يجد وجهاً بلا حزن
لكي يتأمله
سألتهُ سيدةٌ بآخر دمعةٍ:
من أين يأتي الحزن..
حتى أقتله؟
من عاش يحتمل الحياة كمحنةٍ
أبّت الحياة عليه أن تتحمله
نحتاج عمراً كي نربي ثائراً
ودقيقةٌ تكفي الطغاة لمقصلة
لا شيء يزعجني.. الحياة جميلةٌ
والناس هادئة هدوءَ القنبلة
حريتي هي أن أحبكِ غاضبا
ويدي مكبلة.. كرسمة حنظلة»
ممتنة لأنني أكتب عن حزن كبير بسعادة وليدة، أخذ النص مني وقفات ليست بالقصيرة، كورد.. وقهوة، وتأمل لملامح روحي الجديدة.. ممتنة، لأنني أتذكر الحزن فقط؛ ولا أعيشه.
يوجد هناك سعادة طويلة المدى وسعادة قصيرة المدى، والسعادة تختلف من شخص لاخر على حسب المعرفة، فمن يعرف كثيرا غير من لا يعرف شيئا، فكل منا يهدف الى تحقيق شيء في حياته يعتقد انها السعادة الأنسب له فالواحد منا نفسه قد تختلف نظرته للحياة وللمؤثرات التي حوله باختلاف أطواره الزمنية وظروفه وأحواله، واذا حصل للواحد منا على ما يناسبه وما يسعى إليه فإنه يعيش بهذا شكل من أشكال السعادة بحصوله على ما كان يسعى إليه بالرغم من الصعوبات المختلفة التي قد تواجهه.
اذا فكيف نعيش حياة مرضية نستشف فيها السعادة ونستخرجها بأنفسنا لا بل ونخلقها خلقا كي نسعد في هذه الحياة التي لايوجد فيها حدود للسعادة فلنتعلم كيف نسعد انفسنا بإسعاد الاخرين ونقنع نفسنا بما لدينا او نحاول الوصول للاشياء التي نتمناها بقدر المعقول يجب الا نقف عند نقطة ما او عثرة او تجربة تنغص علينا ماتبقى من حياتنا فلننظر الى الامام تاركين ما بالامس للامس نلتفت فقط لنتعلم ونتجاوز وناخذ كل مانستطيع اخذه كي نسعد دون المساس بالاخرين، انما الحياة الدنيا لعب ولهو وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد فلنعشها كما هي لعب ولهو وزينة الخ
عيشي سعادتك ايها الكاتبة الانيقة ولا تبالي يجب ان نعيش ونجرب ونخطئ ونتعلم لانقف
إعجابإعجاب
وأنا أقرأ كلماتك حلقت معكِ بحثاً عن معنى السعادة ،، ووقعتُ متألمة من ألم الفقد،،ثم أنتشيتُ معكِ لذّة انتصار العقل على القلب،،ولحظة إبصار النور وسط العتمة،،وتلمُس الحقائق والمسلّمات…
أدركت معكِ أن الفُقد يُقال للأموات أما الأحياء الذين نفقدهم مقابل أن نجد ذواتنا وأن تتحرر أرواحنا فعسى فقدهم من الأشياء التي نكرهها وهو خيراً لنا …دمتِ بخير ومتألقة الحرف والروح دوماً 🤍
إعجابإعجاب
طابت أنفاسك و لا فُضَّ فوك يا ابنة الحرف .. ما أجمل حروفك التي تصيب كبد الحقيقة، أنتِ معزوفة للغة و الفكر و ابنة اللغة و منها و إليها، أنتظر كتاباتك التي تطرب الروح و الفؤاد بكل حب
إعجابإعجاب