اللوحة: الفنان الياباني كاتسوشيكا هوكوساي
-هل شهدته حقًا؟ أقصد، هل رأيته رأي العين، تحدثتَ إليه؟!
كمن ينتظر أن يطرح عليّ أحدهم هذا السؤال من قبل، فاندفعت للإجابة، حتى أنني لم أتريث لمعرفة من يكون السائل!، قلت: لم أعاصره جيدًا، لا أتذكر غير خيال لرجل مريض، هيكل يتسنّد على كتفيّ صاحبيه. يرافقاه في رحلته الأخيرة، أذكر أنه التفت إليّ قبيل أن يختفي عن عيني، أن بسمة صافية احتلّت وجهه دقيقة، لوّح بيده مودّعًا، لربما تمتم ببعض كلمات كأنما يوصيني، غير أنني لم استمع إليه، فقد شغلني ذهابه، صخب الشارع من حولي، غصة بقيت بالحلق .أذكر أنه التفت غير مرة يرمقني بعين نصف متعبة، ثم غاب في الزحام، بعدها طغى عليّ الزمن بأحداثه وحوادثه.
هزّ السائل رأسه كأنما يتابعني، وإن غاب عن وجهه أي تعبير يدفعني للتوقف عن الحديث، فأكملتُ: لست أدري لمَ أتذكره من فترة قريبة!، لكن يهلّ عليّ طيفه باستمرار، حتى أنني كلما أقبلَ عليّ بطلّته، ينشرح صدري، تنفك بعض كرباتي الكثيرة.
ثم أخذت نفسًا عميقًا، أعقبتُ: أتعرف!، لقد أسررت لبعض أقاربي هناك في عمُق الصعيد، برغبة حارة أن أكون بجواره، فقد سئمت الوجود هنا، كرهت الوجوه التي تحيط بي، أبحث عن هدوء أجزم أنني سأجده هناك، لمَ لا وهو من كان وجوده باعثًا على الوجود!
لا تهتم
“فإذا خلوت بنفسك، فسارع بإطفاء النور، افتح كافة النوافذ الموجودة حولك وأزح الستائر، لكن احرص على أن تكون وحدك، انزع كل مقبس كهربائي جوارك، استرخ على سريرك وأغمض عينيك، دع عنك ما يريبك وما لا يريبك، لا تلتفت لأية نسمة عابرة، لا تهتم بشيء فالاهتمام بعضه شقاء”
أنهى نصيحته الذهبية حسب قوله، ثم استأذن لينصرف، لم ينس قبل ذهابه أن يضع بيدي جنيهًا فضيًّا لامعًا. أوصاني بوجه متجهم أن أقبض عليه بشدة، إلاّ أفتح أصابعي إلاّ حينما تتثاقل رأسي من النعاس.
فامتثلت لأمره، ومن ساعتها ويميني مغلقة على ما فيها، يأبى النوم أن يتسلل إليّ كم يفعل مع الناس.