سامية خوري.. نساء يحلمن بزمنٍ آخر

سامية خوري.. نساء يحلمن بزمنٍ آخر

خالد جهاد

خجل أنثوي يطل عبر لوحاتها متوارياً بحذر خلف جرأة الألوان والأحلام.. تلك التي لا نتوب عنها مهما تكرر انكسارها كما قال محمود درويش، كونها الرئة الثالثة التي نتنفس بها وتشعرنا بدفيء نبضاتنا، وكأننا لا زلنا أطفالاً نبحث عن وطنٍ أخضر تتدلى منه عناقيد العنب، وتفوح منه رائحة أزهار الليمون التي نبصرها في المخيلة كلما أغلقنا أعيننا لنعانق كل مالم نلامسه على أرض الواقع، ولتجسده بأسلوبها الخاص في أعمالٍ تشبهها والتي ستكون محور حديثنا في هذا المقال عن الفنانة اللبنانية سامية خوري..

من يتابع أعمالها يلاحظ تمسكها بأملٍ خجول أو حلمٍ غالباً ما تكون ملامحه مبتورة النهاية في لوحاتها، وكأنها تقصد أن تشير إلى صعوبة الحياة التي لا يدوم فيها حال لكن الإصرار على التحلي بالصبر والتمسك بالفرح والإيمان بعودته الحتمية، هو ما يدفعها ويدفعنا جميعاً إلى الاستمرار، كما أن نموذج المرأة التي تقدمها سامية خوري هو نموذج ٌ حالم يعيش في زمنه الخاص، مصطحبةً مع تلك الوجوه الأنثوية ألوانها وموسيقاها وخطواتها ونظراتها ودهشتها وكأنها على موعدٍ مع السعادة التي ترقب قدومها من خلف ستار نافذتها بكل ما تملك من إحساس، كما أن الوقت عاملٌ مهم في لوحاتها، إذ تشير إليه بطرقٍ مختلفة وكأن قلبها متعلقٌ بالساعات، وعيناها ترقب البندول المتأرجح يمنةً ويسرى، فتخاف من مضيها بعيداً كما رحلت الكثير من لحظات الماضي الجميلة..

ولا تجسد تلك اللحظات البعد المادي الملموس بل تعني بها أيضاً الوطن لبنان في فترات توهجه وازدهاره واشعاعه الثقافي والجمالي، والتي ساهمت في تشكيل وجدانها ومثلت لها أسمى أشكال الحب ومعانيه عبر بحره وسمائه وأشجاره وبيوته التي تبدو بعيدةً بنفس القدر الذي تبدو فيه قريبةً في الروح، بشكلٍ يستحضر أدق التفاصيل رغم مرور الزمن.. تلك التفاصيل التي لا تخلو من وجع الحرب لكنها مغلفةٌ بالحنين الجارف إلى الذات، إلى الحب، إلى شيءٍ ما كان يغلف الأجواء، لكنه ذهب إلى مكانٍ لا نعرفه وليتنا نعرفه علنا نستطيع الوصول إليه..

ووجوه سامية خوري تظهر دوماً وكأنها تطالعك من بعيد بحيث تلمحك لكنك لا تقدر على رؤية كافة تعابيرها التي تكتفي بأن تعطيك منها القليل، بين حيرةٍ وفرحٍ وقلقٍ وحزنٍ وشوقٍ وعبوسٍ وتلاشي على عتبات الحدود الوهمية بين الزمان والمكان وبقايا المشاعر والأحلام والبيوت التي لا تتخلى عنها وتحملها معها بين لوحةٍ وأخرى، وكأن حقائبها ممتلئةٌ بالذكريات وحديث الشرفات ومساكن كثيرة تنقلت بينها وحملت معها بضعاً من حيواتها، لتضيفها إلى حياتها الشخصية التي تماهت معها وأصبحت جزءاً من نسيجها وهويتها الإنسانية والأنثوية والوطنية..

ولا تعيش سامية خوري من خلال لوحاتها حياة امرأة واحدة بل تعيش كقبيلةٍ من النساء اللواتي يظهرن تباعاً كجزءٍ من الحكاية وكشاهدٍ على أحداثها عبر أجيال، بحيث لا تشبه أي واحدةٍ منها الأخرى ولكلٍ دورها ومساحتها التي تتجاوز بتعابيرها سجن الكلمات إلى رحابة الشعور الذي ينبعث عبر ملامحهن ليصفهن جميعاً، ويضفي عليهن مسحةً من السلام المغلف بألوانٍ الطيف رغم الحزن الجارف والنظرات المتحجرة في أعين بعض تلك السيدات اللواتي آثر بعضهن الصمت عكس البعض الآخر الذي قرر أن يبوح بما لديه..

وتظل للوحات الفنانة اللبنانية سامية خوري أسلوبٌ خاص يعطي للمتلقي طرف الخيط ليتبعها بحثاً عن بقية تفاصيل حكاياتها وشخصياتها الأنثوية، تلك التي ستسمع همسها كلما اقتربت منها تماماً كمن يسمع صوت البحر من خلال أصدافه، لتتضح معالمها عبر أزمنةٍ مبتورة من الخوف الذي لا زالت تحاربه بريشتها، وبأملٍ في غدٍ أجمل يأتي ليمحو بعضاً من ألم الأمس ويتحايل عليه ببعض مفردات الفرح..


الفنانة التشكيلية سامية خوري

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s