قصتي الأخيرة

قصتي الأخيرة

محمود حمدون

اللوحة: الفنان النمساوي فريدريش أميرلنغ

دعني أسألك، على قدر السؤال أنتظر صراحتك في الرد!

قلت هاتي ما عندكِ، قلبي يحدّثني أن وراءكِ ما وراءك!

لم تستسغ الطرفة، قالت وهي تفرك كفَّيها في بعضهما بعصبية غريبة: بعض قصصك هذه الأيام تميل للمكاشفة،تغوص بأناملك في مناطق حسيّة إلى حد ما، تٌصرّ أن تنزع “وريقة التوت”، عن بطلاتك، أسلوب لم أعهده فيك ولم اقرأ لك بهذا الشكل من قبل!

كانت تجلس بمواجهتي، حين توقفت عن الكلام لترشف بقايا قهوتها، زحفت بكرسيّها حتى جاورتني، مالت عليّ وهمست: أتعرف!، قصتك الأخيرة أخجلتني حتى أنني قرأتها في المرة الأولى على مرحلتين، بين الأولى والثانية فترة زمنية كافية كي أبلغ ربوة عالية من التوتر، لقد شعرت بحُمرة الخجل تتصاعد إلى وجنتيّ على رغم أنني كنت وقتها بغرفتي وحدي!

حين فَرَغَتْ من حديثها، سألتها: أثارك الوصف أم حرّكت الحكاية كوامن مدفونة لديك؟!

أجابتني، بعدما زمّت شفتيها ثم عضّت على السفلى، نقرت الطاولة بأظافرها بعصبية كبيرة: أحرق النص أعصابي، لكنّي بالأمس وجدتني أقرأه من جديد. وقفت أمام كل كلمة، أحسست أن عباراتك المقتضبة تتسلل تحت جلدي، تخترق شراييني وأوردتي، لعلّي كنت أقرب لموقد غاز مهجور من سنين بعيدة، ثم اقترب منه عود كبريت مشتعل. فهل تُدرك حجم ما فعلتَ بي؟، لقد جعلتني أعاني، أوقدت بداخلي تنّورًا، أشعلتَ نارًا لن يُطفئها طوفان ” نوح”، على فرض فلن أجد بحالتي هذه ما يعصمني من ثورة بركان بدت نُذره في الأفق.

قلت وأنا أبحث عمّا يهدئّ من خاطري : كأنكِ تحمّلينني وِزرًا لم أرتكبه!، ثم باعدت ما بيني وبينها في القعدة، أزحت ناحيتها فنجان قهوتها الفارغ إلاّ من بقايا تتعلق بجدرانه، قلت بلهجة نحاسية: يا سيدتي، الكون كله غارق في عتمة أبدية، يسبح في برودة قارصة لا أوّل لها، فهنئيًا لمن لامست أطرافه لحظة دفء عابرة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s