هل أنت شمس أم غيم؟

هل أنت شمس أم غيم؟

نورا أحمد

اللوحة: الفنان الإنجليزي جون إيفرت ميليه

أجد بي راحة كبيرة بعد الانفصال، ولا أراه مؤذياً حتى لأطفالي!

لا أشعر بالحاجة للارتباط مجددًا وأسعد بقرار الرفض لكل عرض زواج ثان. 

أجلس في أمسية كهذه بعد أن ذهب الأولاد لتناول الإفطار مع والدهم، مسترخية متأملة مستمتعة بمعزل عن العالم في غرفتي، أرتشف قهوتي أكتب على ضوء شمعاتي.. 

هي لحظات اقضيها لي وحدي بعيدًا عن كل الاصوات والبشر. 

أجدد شوقي لأطفالي، أنتظر عودتهم بحبي الكبير لوجودهم واصواتهم ونقاشاتهم.

اتفرغ لأفرغ رأسي من فكرة تراودني لأكتبها منذ بعض الوقت.

ربما خلق البعض ليكونوا شمسًا تسطع من علياء السماء، تنير الكثير من الاماكن، تتسلل من بين البنايات الشاهقة والنوافذ وتمر من خلال الستائر الى داخل البيوت لتملأ الغرف بلمسات النور الدافئ المشرق. ربما كان البعض منّا شموسًا تضيء حياة الكثيرين. الا انه سيكون من الغباء اغفال أن المسافة شرط اساسي ليصل النور والدفء تمامًا حيث يجب وكيفما كانت حاجة الاخر لها.

وربما هؤلاء لا يقدر لهم الارتباط بشريك!

تتراوح المسافات في العلاقات البشرية ما بين قرب اختياريّ او اجباري حتى، وبين بعد اضطراري او قدريٌ ربما!

ولأن العلاقة مع شريك والتي تسمى “زواج” فيها قرب وتقارب والتئام والتحام مع الشريك، وهذا التقارب الذي من المفترض ان يكون على كل المستويات روحية او فكرية او جسدية؛ فهي ليست علاقة صحية للشمسي وللشريك في آن.

ما انا بصدد الحديث عنه هو الانسان الشمسي، نعم اسميه هكذا لأنه نار من الداخل وضوء من الخارج، لأنه احتراق من قرب ودفء عن بعد. هذا الانسان لا يصح ان يكون في علاقة زوجية او ارتباط بكل هذا القرب.

ولكي نتعمق في فهم الشمسي أورد مثالا نراه كل يوم في بيوت كثيرة، تتذمر الزوجة فيها من طبع زوجها المستهتر مثلا او يتذمر الزوج من اهمال زوجته!

هو الحال في الانسان غير العائلي، الذي يزعجه صوت الاطفال، ويتذمر من مسؤولية اسرة تلقى على عاتقه!

لن يكون سعيدًا بإنجاب الاطفال الا بقدر ما يلعب طفل بدمية ما ثم يتركها ملقاة مهملة على الارض! ولن يكون كفؤًا لتربية الاطفال. 

إذا ما تزوج شخص كهذا بسبب اجبار العائلة او قرار متسرع لوقوعه في الحب، او بسبب عدم ادراكه لذاته او فهمه لها، وتصوره انه مخول لبدء اسرة وسيسعد بهذه التجربة، وإذ هو على عكس ذلك اذا ما اخذت الفكرة حيز التنفيذ! 

على كل الاحوال فإنه سيتحمل الحياة الجديدة كعبء ولن يتقبلها أبدًا، وكما نعرف جميعًا ثمة فرق كبير بين التحمل والتقبل. 

لأن الذي يتحمل ربما ويجوز أن يفعل ذات الاشياء التي يفعلها المتقبل، لكنه يقوم بها بفراغ صبر وقد يتهرب كلما واتته فرصة للهروب! 

فكيف إذا كان الشريك على النقيض تمامًا!

من هنا تنشأ الخلافات الزوجية المستمرة والتي ارى حينها ان مصلحة الاطفال تكمن في الانفصال، وهذا أمر يقع على عاتق الأكثر جرأة في انهاء حياة قد تدمر الزوجين اولا وتدمر الطفل ولا تبنيه بتاتًا. 

الانسان الشمسي قد يشبه الى حد ما صاحبنا المتحمل اللاعائلي من ناحية اجتماعية بحتة، الا ان بينهما فروق كبيرة على المستوى النفسي الجواني، اذ ان الشمسي يختلف في تركيبته النفسية!

نراه ملهمًا ومعلمًا ومرشدًا للكثير. يمتلك روحًا كريمة معطاءًة تتقبل الاخرين، ينصت ويضيء ارواحهم بكلماته، لديه القدرة على إسعاد اشخاص كثر شرط ان لا يكون في دائرته الخاصة الكثير! او ربما يستحسن أن تكون خالية تماما ولا أحد فيها الا ذاته وتبصره وتأمله! 

لست هنا بصدد ذم اللاعائلي وقد يكون كريما ايضا وروحه طيبة جِدًّا ولكنه لا يجيد ان يكون أبًا او أمًا!

وضعه الذي يمنعه من هذا الدور ليس كونه شمسي وانما امور اخرى كثيرة. فعلى سبيل المثال ربما تكون روحه رحالة، وأكثر ما يجد نفسه فيه هو السفر والترحال!

“يحبُّ الرحيل إلى أيِّ شيء

ففي السفر الحر بين الثقافات

قد يجد الباحثون عن الجوهر البشريّ

مقاعدَ كافيةً للجميع.” 

محمود درويش

أو ربما يكون باحث. باحث عن هوية او علم او مال او منصب! وقد يكون شخص لاه عابث يجد نفسه في اللهو والعبث! ومهما صدقنا مقولة أن “الانسان ابن بيئته” الا ان هذا لا يلغي أبدًا السمات الشخصية الفردية. 

الزواج مثلا كمؤسسة هو وعي جمعي يمثل فكرة القطيع، فمن الطبيعي ان يفعله الجميع ثم يجد الواحد منا نفسه متورط في حياة لا تشبهه ولا يتقبلها! 

أما ما يخرج عن الوعي الجمعي كالذي يقرر ان يتفرغ بكامل وعيه وهو حر للبحث العلمي مثلا فيأتي للكوكب باختراع يحل مشكلة عامة، او يسهل حياة الجميع. هذا هو الوعي الفردي الذي لا علاقة للمجتمع فيه. ولا أنكر هنا دور البيئة المحتضنة للمختلف كميزة يجب تطويرها. 

خلاصة الحديث أن الانسان الشمسي خلق ليضيء للكثير ممن حوله من الحيارى المهزومين المخذولين المعنفين الذين يتم اقصاؤهم او تجاهلهم.. والذين سيجدون ارواحهم تشرق مجددًا إذا ما اتصلت بروح شمسية. 

فكيف به يُزج في قفص حياة مؤسسية لا قبل له بها!

ومن هنا وجب على كل انسان ان يعرف نفسه حق المعرفة..

ثمة الكثير من الاختبارات والمقاييس التي صممت خصيصًا لهذا الغرض كاختبار “MBTI “. 

لم اسمع عن اختبار يدرس الشخصيات ك شمسي وقمري ونجمي وغيمي ربما! 

ربما اتخصص وادرس واتعلم أكثر لأنتج اختبارًا او مقياسا كهذا يوما ما، وربما يفعل هذا أحد سواي. 

رأيان على “هل أنت شمس أم غيم؟

  1. سلمت اناملك على هذا السرد الرائع والانتقال بين المواضيع بسلاسة وجمال ، عندما ابحر بمركبي في بحر كلماتك في رحلة يشوبها الجو الرائع والنسيم العليل اتمنى ان لا تنتهي هذه الرحلة كي استمتع بالاجواء الخيالية اكبر قدر ممكن.

    اختلف معك في نقطة ان الشمسي المعطاء والكريم لا يصلح ان يزج به في قفص مؤسسي الا وهو الزواج ، هناك تجارب عديدة منها السيئ ومنها الصالح فلا يصلح ان نطبق قاعدة مبنية على تجربة غير جيدة ، الزواج فطرة من رب العالمين ولكن طريقة ممارسة العلاقة الزوجية تختلف من شخص لاخر اما عن الرجل اللاعائلي فلا يوجد لدي جواب او شرح لهذه الحالة ولكنها اقرب الى اسلوب حياه بعيد عن المسئولية .

    تحياتي

    إعجاب

  2. طابت أنفاسك و لا فُضَّ فوك يا ابنة الحرف .. ما أجمل حروفك حرفًا بعد حرف، العلاقة الزوجية مسمومة جِدًّا والضحية الأطفال وهي فعلًا وحقيقةً ليست صحية، أنا كلي محبة و اعجاب بعمق حروفك التي تصيب الواقع و كبد الواقع .. فوالله أنتِ تنتمي من اللغة و لها و إليها، أنتِ صوت الإنسان، أنتِ صوت الاحساس والمشاعر، أنتِ صوت و عنوان للواقع سلمت يديكِ على حروفك العظيمة يا ابنة الحرف.

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s