أخـافُ عـلـيَّ مـنـي

أخـافُ عـلـيَّ مـنـي

يحيى السماوي

اللوحة: الفنان العراقي علي رشيد

نـَدَمـي مـريـرٌ يـا صـديـقـي الـبـحـرَ

جـئـتـكَ مُـسـتـجـيـراً

حـامـلا ً كـَـفـَـنـي وكـافـوري

فـكـنْ

تـابـوتَ أسـراري

وكـاهـِـنـيَ الـشـهـيـدَ عـلـى اعـتـرافـاتـي

فـقـد ثـَـقـُلـتْ ذنـوبـي

فـعـسـى أكـَـفـِّـرُ

عـن خـطـيـئـاتِ اتـِّـخـاذي الـطـُّـهـرَ قـنـديـلا ً..

ونـبـضـا ً لـلـفـؤادِ الـعـشـقَ

فـي عـصـرِ الـجـنـوح ِ عـن الـهـيـام ِ الـصـدق ِ

نـحـو مـفـازة ِ الـعـشــق ِ الـكـذوبِ!

وعـسـى سَـوادُ شــبـابـيَ الـضِّـلـيـلِ

يـُقـنِـعـنـي فـأبـرأ مـن بَـيـاضـي

فـي مـشـيـبـي

فـانـا عـدوِّي يـا صـديـقـي الـبـحـرَ

بـعـتُ غـدي بـأمـسـي..

واشـتـريـتُ حـديـقـة َ الـنـائـي الـبـعـيـدِ

بـجـنـَّـةِ الـبـسـتـانِ والـحـقـلِ الـقـريـبِ!

وأبـيـعُ بـاللاشـيء

أشــيـائـي الـطـريـفـةَ والـتـَّـلـيـدةَ

والـبـتـولـيَّ الـضـفـافِ..

أنـا عـدوِّي يـا صـديـقـي الـبـحـرَ فـانـقـذنـي

أخـافُ عـلـيَّ مـنـي

لـم تـزلْ أمّـارة ً بـالـحـبِّ نـفـسـي!

لـيـس لـيْ أمـرٌ عـلـيـهـا فـي شـروقٍ

أو غـروبِ

لـو كـان فـي صـلـبـي خــلاصـي

مـا خـشـيـتُ

مـن الـصـلـيـبِ

حـاولـتُ أنـصَـحُـهـا …

فـقـلـتُ

كـفـاكِ يـا نـفـسـي

مـن الـعَـسَـفِ الـذي لا قـيـتِ

والـخِـلِّ الـمُـريـبِ

لـكـنَّ نـفـسـي لـم تـُطِـعْ قـولـي

فـصـرتُ ضـحـيّـةً

لـعـنـادِ نـفـسـي والـحـبـيـبِ! 

أحـتـالُ ـ مـن خـوفـي عـلـيَّ ـ لـكـي أهَـدِّئـنـي

مـن الـخـوفِ الـرهـيـبِ

فـأقـول لـيْ

مـا كـنـتَ يـا هـذا الـمُـضَـرَّجُ بـالـتـبـتـُّـل ِ

فـي رحـابِ الـسـّـومـريـةِ

أوَّلَ الـعـشـاق ِ نـامَ

عـلـى ســريـر سـحـابـةٍ خـضـراءَ

يـلـتـحِـفُ الـنـدى

فـأفـاق مـذبـوحـا ً بـسـكـِّـيـن الـحـبـيـبِ

مـن قـبـل ذبـحِـكَ ألـفُ “وضّـاحٍ” رثـاهُ الـعـشـقُ(*)

فـاقـنـعْ بـالـرَّمـادِ …

ألـسـتَ تـنـُّـوراً؟

مـتـى أكـلَ الـرّغـيـفَ الـمُـطـعِـمُ الـتـنـّورُ؟

كـُـفَّ عـن الـوجـيـبِ!

وأقـولُ لـيْ

لازالَ فـي الـيـنـبـوع ِ مـاءٌ..

والـسـمـاءُ بـهـا مـن الـغـيـم ِ الـمُـبَـشـِّـر ِ بـالـنـمـيـر ِ  

ومـا تـزالُ سُـلافـة ٌ عـذراءُ فـي

أفـيـاءِ مـائـدةٍ وكـوبِ!

وأقـولُ لـي

الـذنـبُ ذنـبُـكَ!

كـنـتَ تـعـرفُ أنـهُ

عـصـرُ الـخـطـيـئـةِ والـذنـوبِ

لِـمَ انـحَـرَفـتَ عـن الـخـطـيـئـةِ

والـذنـوبِ؟

ولِـمَ اشـتـريـتَ أنـيـنَ نـاعـورٍ

بـصـوتِ الـعـنـدلـيـبِ؟

فـتـُـجـيـبـنـي نـفـسـي

لـقـد حـاولـتُ نَـسْـجـاً لـيْ قـمـيـصـا ً

مـن زهـور قـرنـفـل ِ الـنـسـيـان ِ

فـاحْـتـجُّ الـقـرنـفـلُ

صـاحَ بـيْ

لـسـتُ الـقـرنـفـلَ لـو تـنـكـَّـرَ عـنـفـوانـي

لـلـطـيـوبِ!

أأنـا عـدوِّي؟

أم عـدوُّكَ يـا حـبـيـبـي؟

كـلُّ الـفـرائـضِ والـشـعـائـرِ

مُـسـتـحَـبّـاتٍ غـدتْ   

إلآ الـتـَـبَـتـُّل فـي رحـابـِـكَ وحـدُهُ

فـرضُ الـوُجُـوبِ!

ســـأقـيـمُ مـأدبـتـي

عـلـى شـرف انـدحـاري

فـي حـروبـي

حَـرَّضْـتـَنـي ضِـدِّي

فـكـنـتُ ضَـحِـيَّـتـي يـا طـاهـرَ الأردانِ

إلآ مـن ذنـوبـي

أفـمـا وجـدتَ سِــوايَ تـمـحـضُـهُ وفـاءَكَ؟

أنـتَ تـعـرفُ

أنـنـي فـي الـعـشـقِ عـبـدٌ لـلـوفـاءِ!

زعَـلْـتَ

فـانـتـحَـرَ الـسَّـفـرجـلُ

غـادَرَ الـبـسـتـانَ ظِـلُّ الـنـخـلِ

شـاخَ الـمـاءُ

فـاشـهـدْ يـا صـديـقـي الـبـحـرَ

أنـكَ قـد مـدَدْتَ إلـيَّ مـوجَـكَ

فـاسـتـحـالَ عـلـيـكَ

إنـقـاذُ الـغـزالِ الـطـفـلِ

مـن ذئـبِ الـلـهـيـبِ!

بـيْ يـا طـبـيـبـي عِـلَّـتـانِ

فـزِدْهُـمـا بـيْ

يـا طـبـيـبـي

تـعِـبَ الـغـريـبُ الـسّـومـريُّ

وحـان وقـتُ تـوسّــدِ الـصَّـبِّ الـغـريـبِ!

قـدمـايَ مـن حـجَـرٍ

ونـائـيـةٌ دروبـي!


* وضاح: هو وضـّاح اليمن ـ واسمه عبد الرحمن بن إسماعيل الخولاني، لقب بالوضّاح لوضوح وسامته، أحد أشهر الشعراء العشاق في العصر الأموي، وقد قتله الخليفة الوليد بن عبد الملك.


يحيى السماوي شاعر عراقي. ولد عام 1949 في مدينة السماوة بالعراق. حاصل على بكالوريوس الأدب العربي من جامعة المستنصرية بالعراق. اشتغل بالتدريس والصحافة والإعلام، وهاجر إلى أستراليا عام 1997. شارك في العديد من المهرجانات الأدبية العربية والعالمية. وكتب عنه الكثير من النقاد العرب والأجانب. صدر عددا من الدواوين الشعرية منها: عيناك دنيا 1970، قصائد في زمن السبي والبكاء 1971، قلبي على وطني 1992، من أغاني المشرد 1993، جرح باتساع الوطن 1994، الاختيار 1994، عيناك لي وطن ومنفى 1995، رباعيات 1996، هذه خيمتي.. فأين الوطن 1997. أطبقت أجفاني عليك، الأفق نافذتي، زنابق برية، نقوش على جذع نخلة، قليلك.. لا كثيرهن، البكاء على كتف الوطن، مسبحة من خرز الكلمات، شاهدة قبر من رخام الكلمات، لماذا تأخرتِ دهرا؟، مناديل من حرير الكلمات، بعيدا ً عني.. قريبا ً منك، تعالي لأبحث فيك عني، أطفئيني بنارك.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s