سعد عبد الرحمن
اللوحة: الفنان المصري احمد العربي
كتب دابته.. قيدها
نستخدم كلمة (كتابة) ومشتقاتها: (كتب يكتب اكتب كتابة وكتاب وكاتب ومكتوب إلخ)، ونعني ب(الكتابة) تسجيل كلامنا وأفكارنا وكل شيء نود حفظه من النسيان والضياع بالخط، أي بالحروف الأبجدية.
لكن أغلبنا لا يعرفون أن أصل معنى مادة (كتب) هو التقييد، و(كتب) تعني في أصل اللغة (قيد)، تقول: (كتبت دابتي) أي قيدتها، و(دابتي مكتوبة) أي مقيدة، يقول الشاعر الجاهلي:
لا تأمنن فزاريا خلوت به
على قلوصك واكتبها بأسيار
والمعنى العام اكتب (قلوصك) أي قيد ناقتك الفتية بسيور الجلد حتى لا يسرقها فزاري (من قبيلة فزارة).
فكأنك حين تسجل شيئا بالحروف تقيده فلا يفلت منك أو يضيع، والعامة تدرك بشكل عفوي العلاقة بين لفظي (كتب) و(قيد) فيسألك الرجل منهم: (هل اسمي مقيد في الدفتر؟) يقصد هل هو مكتوب مسجل، ونسمي بعض الدفاتر الإدارية (دفاتر القيد) أي الدفاتر التي نكتب ونسجل فيها الوقائع أو الأسماء أو كليهما معا.
«الوقيد» بدل الوقود فصيحة
«الوقيد» عند أهلنا في أرياف الصعيد هو خليط من روث البهائم المجفف (الجلة)، وحطام سيقان النباتات وأوراقها اليابسة، وشظايا أغصانها (الحطب والقش)، تحمى به الأفران البلدية، ويظن كثيرون منا أن الوقيد هو الاسم العامي للوقود، ولكننا بقليل من البحث نجد أن الوقيد هو لغة فصيحة في الوقود، بل إن هناك قراءة قرآنية – وإن كانت تعد من القراءات الشاذة والشاذ هنا بمعنى القليل غير الشائع في الاستعمال – ورد فيها لفظ “الوقيد” بدلا من الوقود، فقد قرأ عبيد بن عمير (أحد كبار القراء من التابعين): وقيدها الناس والحجارة (سورة البقرة آية 24 وسورة التحريم الآية 6).
وهناك لغة أخرى في الوقود هي “الوقاد” بكسر الواو، وقد وردت بدلا من الوقود في قراءة للرسول عليه الصلاة والسلام حين تلا قوله تعالى: وأولئك هم وقاد النار (سورة آل عمران الآية.
حُرفة الأدب بضم الحاء
يشيع على ألسنة الكتاب وأقلامهم عبارة: “أدركته حرفة الأدب” بكسر الحاء، ويقصدون بالعبارة أن الأدب مهنة يعاني المشتغل بها الفقر وشظف العيش، ولكن النطق الصحيح للفظ(حرفة) في العبارة يكون بضم الحاء لا بكسرها، والحُرفة هنا في معناها الدقيق هي قلة الحظ وخيبة المسعى والتعاسة، وهي صفات لوحظ أنها ملازمة لأغلب من يشتغلون بالأدب واشتقوا من الحرفة صفة (المحارف) يصفون بها الرجل الذي أينما يتجه لا يصيب خيرا.
وعلى هذا المعنى جاء قول أبي تمام الطائي ولم يكن يعاني الفقر وشظف العيش:
إذا قصرت لشأو خلت أني قد
أدركته، أدركتني حرفة الأدب
وجاء أيضا قول ابن بسام البغدادي ينعي علي عبد الله بن المعتز (ولم يكن يعاني بالطبع الفقر وشظف العيش) حظه السيئ في الخلافة حين خلع وقتل فلم ينعم بها إلا يوما وليلة:
ما فيه لو ولا ليت فتنقصه
لكنما أدركته حرفة الأدب.