ملك حاج عبيد لـ «حانة الشعراء»: الحرب هزة في الروح الإنسانية وأدبها مغموس بالألم

ملك حاج عبيد لـ «حانة الشعراء»: الحرب هزة في الروح الإنسانية وأدبها مغموس بالألم

حاورتها: الشاعرة حنان عبد القادر

ملك حاج عبيد أديبة سورية وعضو اتحاد الكتاب العرب الذي كرمها في العام 2010 كإحدى الكاتبات البارزات في سورية في مجالي القصة والرواية. التقتها «حانة الشعراء» وحاورتها حول تجربتها الإبداعية، ورؤيتها للمشهد الثقافي الحالي، ودور المؤسسات الثقافية في نشر النتاج الأدبي، وتسليط الضوء على الأدباء العرب ونتاجاتهم.. وهي ترى أن إهداء زهرة لكاتب في حياته أفضل من وضع إكليل ورد على قبره.. وحول الحرب تقول الكاتبة: إنها ليست حدثاً عادياً، بل هزة في الروح الإنسانية، تؤثر بشكل عميق في النتاج الأدبي والإبداعي وتجعله مغموساً بالألم، وتتساءل: ما قيمة الأدب إن لم يعبر عن آلام الحروب؟ وحول تجربتها الأدبية، فقد تأثرت بالروائي نجيب محفوظ، وبالكاتبان عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا. ترى أن الرواية عالم غني يجول في الزمان والمكان، ويغوص في أعماق الشخصيات، بينما القصة مقطع مجتزأ من الحياة، أما القصة القصيرة جدا فشرط نجاحها القدرة على التقاط الحدث وتوفير نهاية واخزة تترك أثرها في القارئ. وترفض مصطلح «الأدب النسوى» قائلة: لا يوجد شعر نسوي وشعر رجالي، هناك شعر جيد وآخر رديء مهما كان موضوعه. وترى أن انشغال بعض النتاج الأدبي الحديث بالماورائيات وحكايات الجن ما هو إلا دليل على هزيمتنا الحضارية، وتأكيد على الفراغ الذي يعانيه الشباب نتيجة غياب مشروع فكري عربي… فإلى تفاصيل الحوار:

الشاعرة حنان عبد القادر

ولدت ملك حاج عبيد في مدينة ساحلية لها طبيعة مميزة، كيف أثر ذلك على تكوينك كأديبة؟

للمدن الساحلية سحرها، فهي الجمال والانفتاح على المدى، هي الخيال يسعى فيما وراء الأفق، هي غصة القلب عندما تغوص الشمس في البحر عند الغروب فتتوارد إلى ذهنك أسئلة الوجود؛ لماذا جئنا إلى هذه الدنيا، وماهي النهاية، من هذه الأسئلة يبدأ الوعي بالتكون.

للأم والجدة وكذلك الجد أثر في تكوين شخصية الطفل، وخصوصاً ميوله الأدبية مستقبلاً، هل كان لك نصيب من هذا الأثر؟

أمي سيدة عظيمة وجدت في زمان غير زمانها، ومكان غير مكانها، هذا التوق إلى العالم المتعالي وجدت التعويض عنه بالقراءة، وقد نقلت إلينا جميعاً هذا الشغف، لذلك كانت الكتب والمجلات متوفرة في بيتنا، يرفدها إخوتي الذين يكبرونني بكل ما هو جديد، هذه البيئة دفعتني إلى القراءة ثم الميل إلى الكتابة، أما الأجداد والجدات فقد رحلوا وأنا في سن صغيرة، ولكن بقيت صورهم في ذهني رموزاً لقيم أحترمها، وبقيت بعض ملامحها في كتاباتي.

بمن من الكتاب الرواد تأثرت؟ ومن منهم صاحب التجربة الأقرب إلى نفسك، والتي يمكن تسميتها الأكثر تأثيراً في تكوينك الأدبي؟

الكاتب الذي تأثرت به هو نجيب محفوظ، فهو الكاتب الأبرز في الساحة العربية، وأعتقد أنني قرأت معظم كتبه، أما صاحبا التجربة الأقرب إلى نفسي فهما عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا، فكتابتهما تنفذ إلى الروح.

تكتبين القصة منذ عمر صغير، وواكبت تطورات القصة العربية خلال عقود، هل اختلف فن القصة بين الماضي والحاضر؟

طبعاً هناك تطور، فالحياة في تجدد دائم والقصة هي مرآة الحياة، في الماضي كانت عبارة عن حكاية تسرد، الآن داخلتها أفكار جديدة وتقنيات جديدة وبرزت فيها شعرية اللغة. 

أيهما أقرب إلى نفسك الرواية أم القصة ولماذا؟ 

الرواية أقرب إلى نفسي، فهي عالم غني يجول بك في الزمان والمكان، ويغوص بك في أعماق الشخصيات، أما القصة فهي مقطع مجتزأ من الحياة، يبين لك موقفاً بتداعياته النفسية والاجتماعية.

لك تجارب في كتابة القصة القصيرة جداً، وبماذا تتميز عن القصة القصيرة؟ وهل يمكن تسميتها فنا أدبيا حديثا؟

القصة القصيرة شرطها القدرة على التقاط حدث هام ومميز في حياة الشخصية، وتقديمه بصورة مكثفة مع توفير نهاية واخزة له، كل فن له جذوره القديمة، ولكن انتشار هذا الفن وقع في عصرنا الجديث.

كيف تنظرين إلى الفنون الأدبية التي ظهرت حديثاً كالقصة الومضة والقصة الشاعرة وشعر الهايكو وغير ذلك من الفنون؟

فنون الأدب تتجدد بتجدد الحياة، فإذا حققت هذه الفنون شرط الجودة فهي مقبولة، ولكن قلة منها هي التي حققت هذه الشروط، أحيانا ً تقرئين كلاماً عاديا غير مترابط ويسميه صاحبه شعر هايكو، أحياناً تقرئين نصاً جميلاً في أسلوبه ولكنه لا يحمل مقومات القصة.

ما رأيك بمصطلح الشعر النسوي؟ وهل هذا النوع المتميز موجود بالفعل؟ ومتى يمكن تسمية نص أدبي أنه ينتمي للأدب النسوي، في حال كتبته امرأة أم في حال عالج القضايا الخاصة بالمرأة؟

لا يوجد شعر نسوي وشعر رجالي، هناك شعر جيد وآخر رديء مهما كان الموضوع، نزار قباني عالج القضايا المتعلقة بالمرأة فهل نعد شعره نسوياً؟ 

جل الأدب في العالم – حاضراً وتاريخياً – يدور حول التعبير عن المشاعر الإنسانية العميقة، وتحديداً مشاعر الحب والرغبات وتوق الجسد، وفي مجتمعنا إذا أبدع كاتب في ذلك فهو دلالة على جرأته وقدرته على التعبير عن خلجات النفس، وإذا أبدعت كاتبة ينظر إليها وكأنها امرأة جلست على كرسي الاعتراف، كيف يُفهم ذلك برأيك؟

في كل مجتمعات العالم تأخرت المرأة عن الرجل في الدخول إلى عالم الكتابة، والبدايات كانت محدودة، لذلك سُلط الضوء على المرأة الكاتبة، فقد بدت كنبتة في حقل فارغ ووُضعت تحت المجهر حتى في حياتها الخاصة، وبينما يسمح للرجل – وهذا فخر له – أن يكون متعدد العلاقات، لذلك يبدع في وصف مشاعره ورغباته بينما يحرّم على المرأة في مجتمعاتنا العربية – على الأقل – أن يكون لها أي علاقة خارج إطار الزوجية، وللزوجية أسرارها التي لا يُباح بها حتى بالنسبة للرجل، لذا إن كتبت المرأة عن مشاعر الحب وتوق الجسد فالتهمة جاهزة لها بأنها هي البطلة، وإلا من أين جاءت بهذه الانفعالات، هي نظرة اجتماعية ثقافية لا تسـتطيع أن تكون عادلة مع الجنسين.

هل أنت مع الذين يقولون إن الرواية أصبحت ديوان العرب مع انسحاب الشعر بعيداً عما كان عليه في الماضي؟

لا اشك أن الرواية أخذت حيزاً كبيراً من المساحة التي كان يحتلها الشعر، لأنها تلبي رغبة الإنسان في الاطلاع على عوالم رحبة، وربما كثرة الشعراء الآن وعدم ظهور شعراء متميزين أدى إلى هذا الانحسار، وخاصة في الشعر المنبري، فنحن لم نعد نرى جمهوراً كجمهور محمود درويش، ولكن الشعر موجود بقوة على مواقع التواصل الاجتماعية، فعلى هذه الوسائل تستطيع أن تنشر قصيدة ولكنك لا تستطيع أن تنشر رواية.

القاصة والروائية وكاتبة قصص الأطفال ملك حاج عبيد، هل فعلاً تعالج في كتاباتها هموم الناس الواقعية كما يعيشونها في مجتمعاتهم؟

بالتأكيد، كتاباتي مستقاة من الواقع، فهي تعرض حيوات أناس يعيشون في زمان ومكان معينين، يتفاعلون مع ظروف وأحداث هذا الوسط الذي يعيشون فيه والمسمى الواقع، فتبدو ردود افعالهم ومشاعرهم وسبلهم في تلمس الخلاص مما يعانون، سواءً أكللت هذه المحاولة بالنجاح أو الإخفاق.

للحروب آثار لا يمكن للأديب أن ينحيها من ذهنه، وبالتأكيد لها طيف في كتاباته، كيف ترين تأثير الحروب والنزاعات في النتاج الأدبي؟

الحروب لابد أن تؤثر على النتاج الأدبي، ترين ذلك في الأدب الجزائري، في أدب القضية الفلسطينية، في نكسة 1967 وفي حرب 1973، في أحداث صبرا وشاتيلا، في غزو العراق، في أحداث سوريا، تجدين نتاجاً مغموساً بالألم، الحرب في حياة الشعوب ليست حدثاُ عادياً، إنها هزة في الروح الإنسانية، ما قيمة الأدب إن لم يعبر عن آلام الحروب؟

هل ترصدين ظاهرة القصص والروايات الصادرة في الوطن العربي مؤخراً والتي تدور حول الجن والماورائيات؟ ما رأيك بهذه الظاهرة؟

في الحقيقة لم أطلع على هذا النوع من القصص والروايات، ولكنه دليل على هزيمتنا الحضارية، وتأكيد على الفراغ الذي يعانيه الشباب نتيجة غياب مشروع فكري عربي، في الماضي كان هناك مشروع قومي، كان الناس يؤمنون بقيم ومبادىء، ولكن القوى العالمية المتنافسة حوّلت البلاد العربية إلى ساحة صراع لتحقيق مصالحها فأُجهض المشروع، وتعبيراً عن الهزيمة في الواقع انصرف الفكر عند بعض الكتاب إلى عالم الجن والماورائيات، يعوضون به عن العجز في تحقيق الحلم في الواقع.

ما رأيك في انتشار موجة الكتابة باللهجات المحكية وخاصة بين الشباب؟

أنا ضد هذا الاتجاه فهو انسحاب مما يربط العرب ببعضهم، وهذا مخطط بعيد الغاية يهدف إلى إحلال قطيعة ثقافية بين العرب، فبعض الكلمات في اللهجات المحكية تكون مفهومة في البلد صاحب اللهجة ولكنها غير مفهومة في بلد آخر، واللهجة المحكية عاجزة عن تحقيق جمالية اللغة الفصحى ومداها الواسع في التعبير عن خلجات النفس، حتى في الترجمة هناك صعوبة، فالمترجم الأجنبي يعرف الفصحى ولكنه لا يعرف اللهجات المحكية.

ثمة استسهال واضح في نصوص كثير من الشباب اليوم ولعل مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في هذه الظاهرة، فأصبح كل كلام يدور حول المشاعر شعر وكل كلام يدور حول مواقف وأحداث قصة، كيف تنظرين إلى هذه الظاهرة؟ وما الكلمة التي توجهينها للشباب؟

الاستسهال مقتل للأدب، ومواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في رواج نصوص كثيرة لا قيمة لها وخاصة في مجال الشعر، وطبعاً هذا انحدار لقيمة الآدب، لذلك أقول للشباب اقرؤوا كثيراً قبل أن تفكروا بالكتابة والنشر، واتركوا ما تكتبونه فترة ثم عودوا إليه لتنقدوه بأنفسكم، وأعطوه لمن تثقون برأيه ليقومه لكم وبعد ذلك ادفعوه إلى النشر، وعندما يكتمل مشروعكم ديواناً أو رواية ادفعوه إلى المطبعة. 

كيف تنظرين إلى علاقة الإعلام بالأديب اليوم؟ وهل له دور في نشر الأدب والتجارب الأدبية أم العكس؟

لاشك أن للإعلام دوره في نشر الأدب والتجارب الأدبية، أما علاقة الأديب بالإعلام فإنها في غالب الأحيان تخضع للعلاقات الشخصية، فقد يتم الترويج لنتاج متدني القيمة وتُهمل تجارب غنية.

كيف تنظرين لدور المؤسسات القائمة على الثقافة في بلادنا العربية من اتحادات وهيئات ثقافية وغيرها؟ وهل هي مشغولة بخدمة الثقافة والأدب؟ وهل وجودها – كما هي عليه – يخدم الكاتب حقاً أم غيابها أفضل؟

لا يستطيع أحد أن ينكر دور المؤسسات والاتحادات والهيئات الرسمية في نشر الثقافة وخدمة الأديب، وإعفائه من التعرض لجشع دور النشر الخاصة، هذه الدور تخضع للمزاجية والفردية إذا كانت تنشر على حسابها، أما النشر على حساب الكاتب فهو مكلف وغالباً ما يضيع حقه.

في عام 2010 تم تكريمك من قبل اتحاد الكتاب العرب، حدثينا عن هذا التكريم؟ وهل ساهم في التعريف بتجربتك وانتشار كتبك؟ 

قررت جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب تكريم أحد أعضاء الجمعية، وطرح اسمي مع اسم أديبة أخرى وجرى التصويت فكان لصالحي، ولقد سعدت بهذا القرار، فأن تهدي لإنسان زهرة في حياته أفضل من أن تضع إكليل ورد على قبره، وقد أقيم الحفل في مدينتي وجاء أدباء من دمشق واللاذقية، وحضره أهلي وأقاربي وصديقاتي وطالباتي وجمع كبير من أهل المدينة، وقد امتلأ مسرح المركز الثقافي حيث أقيم الاحتفال ببوكيات الزهر، والحق أقول لقد شعرت بسعادة غامرة؛ فهناك من يهتم ويقدر عطاءك، وقد تعاقب على المنصة نقاد وأدباء عرضوا لتجربتي في مجال القصة والرواية وقصة الأطفال، وصدر عن هذه البحوث والمقالات كتاب من «سلسلة أعلام مكرمون» ووزع ووصل الكتاب إلى بعض الأقطار العربية، ولكن بعد خمسة أشهر من تكريمي وقعت الأحداث في سوريا فما عدت مهتمة بانتشار كتبي من عدمه.


ملك حاج عبيد أديبة سورية مواليد 1946. عضو اتحاد الكتاب العرب. من مؤلفاتها القصصية: «الخروج من دائرة الانتظار» 1983- «قال البحر» 1986- «الغرباء» 1993- «حكايات الليل والنهار» 1994- «غربـة.. ونساء» – 2000 – «البستان» 2003 – «العاصفة» 2005 – «حكت لي جدتي» قصص للأطفال 2008 – «قمر الزمان» قصص للأطفال 2009.

رأي واحد على “ملك حاج عبيد لـ «حانة الشعراء»: الحرب هزة في الروح الإنسانية وأدبها مغموس بالألم

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s