النور على العتبات يفتِّش عن قلبٍ غادره

وارتكن إلى ظلمات الغربةِ

فانسابتْ في الليلِ طيوفُ الآتين من الماضي 

المسكونِ بأنفاسٍ ضمَّخها الحلم

والأرواحُ الحيرى

كجذوع النخل الصامدة أمام الريح العاتية الصرصر

كم وقفتْ بين ضفاف الوهم وأشلاء الماضين

وأطلال الأيام                    

ووقفتُ أراود عمرًا يغفو بين ضفاف الماضي 

وتراتيل المسكونين بأوجاعٍ

تتسرَّبُ ماءً بين الأودية العطشى

وحنينا بين قلوبٍ ترتاح قليلا من نزف وأنين

عاودني صوت الراوي في ليل لجيِّ الأشباح

عاودني صوتي:

يعقوب ظلٌّ للحكايات الحزينة

والزوايا المظلمةْ

والإخوة اللؤماءُ أودية السراب

وما تناثر من وجوه في المرايا المعتمةْ

سيظلُّ يعقوبُ المدانَ بدمعه

ويظلُّ قلبي حائرًا ما بين يوسف والذئاب

والإخوة اللؤماء يقتنصون سيفي

والسيوف عزيزةٌ مثل السحاب

لا طلَّ في صيف الحكايا

أو مطرْ

لا ذئب عند الجبِّ إذ يحتاز يوسفُ 

نحو مسكنه الخَطِرْ

يعقوبُ قال لهم: أخافُ الذئب يأكله

وإن كنتم على وعْدٍ

فقالوا: الذئبُ يأكله

وكان الجبُّ مسكنَهُ

فهل جابوا الصحارى القفر يختارون ذئبًّا

أم أتى ذئبٌ يعلمهم كما كان الغراب

القصة الأولى تعودُ

يعودُ يوسفُ فارسًا صلبا

وهم يتكفَّفون العفو

هل يدري من امتشقوا سيوف الظلم قصة من مضوا

مثل السراب

لولا تضاريس الوجوه على تضاريس الشواطئ

لاحْتفوا بغياب ملمحنا

أقاموا فوق مسكننا مراقصَ للشراب

لكننا لسنا كيوسف كي نقول لهم

إذا أبدوا دموع الذلِّ:

لا تثريبَ .. يغفر ذنبكم ربٌّ

وكلٌّ سوف يمضي للتراب

لسنا كيوسف أنبياء

فالروحُ عتَّقها الألمْ

والدربُ ممتلئ بمن كانوا نجوما  في ليالينا

ومن كانوا دروعًا في احتدام القهر

كانوا كالحراب          

وتدثَّروا كالحلم بالأحجار

والحلل البوالي 

والتراب

وسألتً في حزن: لمن هذي المدائن والطلول

قالوا: لمن كانوا مصابيح المنابر

وارتواءات النواظر

والأسنة والأعنة

وابتسامات الغريب

إذا بدت في الليل أشرعة الوصول

كانوا دروعًا في احتدام القهر

كانوا كالحراب          

وتدثَّروا كالحلم بالأحجار

والحلل البوالي 

والتراب

كلُّ الذين تحبهم خانوك يا قلبي

رحلوا وما تركوا سوى عبقٍ

يعربد في الضلوع

كانوا الأسنَّة والأعنَّة

والمنابر والنواظر

والنجومَ الزُّهْرَ في ظُلَم الدُّروب

خانوا وما خانوا  

***

النور يسيل على العتبات

يراوغ أقواس الظلمة كي يجتاز الحدَّ الفاصل

بين الأطلال وأغوار النفس المسكونة بالأشباح

تغريه الأبواب المغلقة من الأرواح الحيرى

فيدور .. يدور 

كي يفتح أقفالا مغلقة

ويفتِّش عن بعض ملامح من رحلوا

أو سكنوا بين حنايا الروح تواشيحَ وأشرعةً 

ويلملمَ بعض بقايا من أشلاء ملقاة بين سراديب الأرواح

يتفرَّسُ تغريبةَ عمْرٍ مسكونٍ بحكايا لا تنفكُّ تئنُّ

ومرايا تعكسُ أزمانا

وشظايا من ألحان أسكرت الروحَ 

فتاقت إذ تلمع في الليل الأقداح

عاودني صوت الراوي

عاودني صوتي في ليل لجيِّ الأشباح:

كانت هنا عصفورةٌ 

وشجيرةٌ

والنايُ في يد عازفٍ يروي تفاصيل الحكايةْ

عينان غائرتان

والشمسُ التي كم أشرقت غابت

فلا لحنٌ يعيد بريقها

أو أدمعُ الآتين من رحم الفجيعة

في زوايا الليل تهدأ

كي تعيدَ لنا اشتهاءات البدايةْ

قد كان قيسٌ مثقلا بالحلم 

والروح الندية 

واللظى

مغموسةٌ كفَّاه بالأنوار 

والأنوارُ هالةُ من يغادر حاملا حلم الخلود

وجهان يلتقيان في المنفى كضوءٍ خافتٍ

يجتاز أسئلة العيون 

وما تناثر من فتات الحلم في ليلٍ جحود

ويعانقان اللحظة الحمقاء 

يسترقان رغبة نازفٍ في البوح

تغريه الطقوس

كم كان قبل اللحظة الحمقاء يغريه العبوس

ينساب ما بين الشعاب القفر رمضاء 

اشتهت حرق القلوب الخضر في شغفٍ

وتغريها احتراقات النفوس

عينان غائرتان 

والروح التي كم أشرقت شمسًا على وادي الحبيبة

تشتهي طيفًا من الوادي المقدَّس 

كي تحدِّثه عن الشوق العنيد

وتعيد ترتيب المرايا في الزوايا

كي يرى روحًا معتَّقة بشوقٍ لليالي الزُّهْر

والدُّرِّ النضيد

ويرى شظايا النفس كيما يستقرَّ على شواطئها

فتزهر أضلعٌ 

وتقرّ في وادي الغضا روحٌ

مشرَّدةٌ تحاصرها خيالاتٌ

وتدميها القيود

لكنها أبدا إلى وادي الحبيبة لا تعود.