أيمن جبر
اللوحة: الفنان الروسي مارك شاجال
صحا الناس على خبر يتصدر كل الصحف ونشرات الأخبار، خبر مذهل وصادم؛ “أصدر الرئيس قرارا ببدء إجراءات تسوية خروج كل المسجونين والمحكوم عليهم بكافة الأحكام، بما فيه حكم الإعدام، على أن تخلى السجون تماما خلال عام.
أثار هذا القرار عواصف من النقاش بين كل الناس، كيف يحدث هذا؟ هل هذه رحمة أم حماقة؟ كيف يخرج الجميع؟ كيف يصل تنفيذ القرار إلى من سيطبق عليه الإعدام أو الجرائم الكبرى؟ كيف يفرج عن القاتل؟ وأين القصاص؟
استمر الصخب في كل مكان في البلاد، ومرت أيام متوالية ولم يصدر من الرئاسة أي توضيح أو تعليق عن هذا الخبر، ولم يصدر حتى ما يشير إلى أن هذا الخبر قد شرع في تطبيقه.
ثم أعلن الرئيس أنه سوف يُلقي خطابا للناس اليوم.
في المساء ظهر الرئيس وهو يخاطب الناس قائلا:
أعلم أن القرار أربك الجميع، وامتزج في الناس مشاعر الفرح والحيرة والتعجب، ولكن بما أنني أول رئيس منتخب ديمقراطيا في بلادي، وبما أننا في مرحلة جديدة، فلا بد كما يقول المثل “البدء على نظافة“ ففي عام الرمادة أوقف الخليفة العادل “عمر بن الخطاب” حد السرقة، وما مر بنا من فساد وإفساد لكل شيء؛ جعل شعبنا يعيش في مناخ يفسد الأخلاق والضمير والعلاقات والنفوس والمعيشة بكافة وسائلها، مناخ يربك العقل ويعيد ترتيب القيم بما فيقدم الشر وينسحب ويتراجع الخير.
سوف نعتبر أن كل ما مضى؛ وكأن هناك شريرا نشر غازا بين الناس يثير الاضطراب في العقل، ونعتبره ماض وذكرى سيئة مرت بنا، وما علينا سوى أن ننظر للأمام ونعالج من تضرر ومن أضر، ثم نبدأ حياة جديدة شفافة.
في السجون سجناء من كل نوع، وهنالك المظلوم والمستحق للعقوبة، ولكن كما بدأنا العهد الجديد بأن تم العفو عن جميع الناس وتسوية المظالم بحيث يحدث تراضي للمظلوم مقابل العفو عن الظالم؛ فكذلك في السجون، سنفرج عن الجميع، مع استبدال العقوبة بعقوبة مدنية تصب في صالح المجتمع، فيحصل التأديب ولا يحرم الإنسان من حريته ولا يُحرم أهله منه.
ومن ارتكب جرم فيه قصاص فسوف نسعى بكل الطرق لنيل العفو من ولي الدم، فالعفو أصبح واجبا على الجميع، بدون العفو لن نستطيع البدء من جديد.
وهذا القرار لا يعني الغاء السجون، بل يعني أنه عقب المرحلة الانتقالية التي ستوفر فيها الظروف للجميع للعيش في سلام وأمان، سوف نعاقب من يخطئ بما يستحق.
هناك لجان منعقدة لدراسة حال كل سجين وسوف تنتهي لقرار على أن تفرغ السجون خلال عام من كل من فيها.
وبعد ذلك نبدأ على نظافة. ونتحرر من أثقال وأخلاط الماضي.
هناك من يقول أننا سنطلق الأشرار، وأنا أقول بل سنفتح مساما في جسد الأمة لخروج الشر مثلما يخرج العرق من الجسم، مناخ السلم والعفو والمغفرة والعذر هو ما نحتاج له جميعا، قد يكون لهذا ثمن ندفعه كمجتمع، ولكن هذا الثمن سوف يكون أسطوريا حين نؤخر هذا القرار، فالثارات سموم، والأحقاد قنابل عنقودية تنتثر في لك اتجاه، ولا بد من أن نعطي أنفسنا فرصة.