خالد جهاد
يد الرسام متصلةٌ بقلبه، يملي عليها إحساسه فيحلق معها بين الأزمنة والحالات والمشاعر، ويضخ فيها من روحه لتعبر عما يختلج في صدره وتعكس رؤيته للناس والحياة ككل، وبرغم وجود غزارة في الأسماء الفنية التشكيلية على امتداد بلادنا وفي السودان وطن مبدعنا إلا أن العين التي ترى لا تعطي سرها لأحد، فتصنع بالفن عالمها وتنشئ فيه قيم الانتماء والجمال والحب الذي يغيب عن واقعنا ونراه يتجلى في أعمال الفنان التشكيلي السوداني وليد محمد..
فمن يتابع أعماله سيلحظ اتجاهاً ونزوعاً يقدمه إلى جانب عددٍ من الأسماء المحلية في أكثر من ميدان من ميادين الفن والثقافة نحو أرشفة وتوثيق الواقع والهوية السودانية، والحفاظ عليها عبر نقل كافة جوانب الحياة وأوجهها عبر الزمن بين الأصالة والمعاصرة لتظل باقيةً للأجيال المقبلة، فلا تتأثر بمظاهر التطور التي تسرق من الشعوب عادةً خصائصها وسماتها التي تميزها تحت مسمياتٍ متعددة، وعبر هذا المدخل ينشأ وليد محمد عالمه الخاص الذي يرى الناس والمجتمع من خلاله، فنلاحظ تعلقه الشديد بالوجوه التي تمثل خلاصة الماضي والحاضر في السودان، وتؤرخ للحظاتٍ قد تبدو عادية لكنها تبرز الوجه الآخر للحياة الاجتماعية والتنوع الثقافي والفكري والاختلافات التي شهدها السودان عبر عقودٍ طويلة تماماً كبقية البلاد العربية، وتنم عن حراكٍ لا يستهان به وتطورٍ في مختلف المجالات التي لم يسلط عليها الضوء بالشكل الكافي ولم تكن معروفةً خارج السودان، والكثير منها هو بمثابة وثيقة عدا عن كونها أعمالاً فنية خاصة تؤكد على وجود الإرث الإفريقي والمحلي جنباً إلى جنب مع مظاهر الحياة المدنية والندوات العلمية والأدبية والفكرية التي احتضنها المجتمع، وكانت دليل نهضةٍ وتجدد في عددٍ من المحافظات الممتدة على مساحة السودان الشاسعة..
وتعج اليوم صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بصورٍ من تاريخ السودان خاصةً في القرن الماضي، وهي ما شكل مرجعيةً للشباب اليوم ومنهم فناننا وليد محمد وجعلها مادةً خصبة للبحث دفعته للتعلق بثقافته وبذل الكثير من الجهود على أكثر من صعيد لنشرها والتعريف بها حتى خارج حدود العالم العربي والقارة الإفريقية، فنرى هذه الحالة من الارتباط الوجداني والتلاحم تسيطر على لوحاته وكأن جميع أعماله بمثابة ألبوم صور عائلي تنتمي فيه كل الشخصيات على اختلافها إلى نفس العائلة، كما يشعر المتابع بأن هناك كماً كبيراً من الحكايات والقصص والذكريات الحميمة التي تربطهم مع أنها لوحاتٌ لأشخاصٍ لا صلة بينهم، لكن حالة الدفء التي تسيطر عليها توحي بالعكس سواء كان ذلك من خلال طريقة الرسم أو مزج الألوان، أو اختيار بعضها كاللون الرمادي وكأنه عرابٌ المشاعر الإنسانية والزمن الذي نعيشه في مقارناتٍ مستمرة بين ماضٍ أكثر سعادة وحباً وراحة رغم قلة الإمكانيات المتاحة، وبين حاضرٍ قد تتوفر فيه جميع سبل الرفاهية لكنه يخلو من أي بعدٍ عاطفي، ويفتقد ذلك الرابط القادر على جمع القلوب حول مبدأٍ أو شعورٍ أو حالة مهما بلغت من الجمال والنقاء والنبل بعد بروز الأنا وطغيانها على المشهد برمته..
لنجد أن كل من يدخل إلى عالم الفنان التشكيلي السوداني وليد محمد محكومٌ عليه بأن يظل أسيراً لجمال ذكريات أجيالٍ متعاقبة من السودانيين، ويشهد على كواليسهم وخباياهم وكأنه يتجول داخل قصرٍ أو متحف يستعرض لحظاتهم وأهم محطات حياتهم الإنسانية معلقةً على جدران الروح، مع قدرةٍ إبداعية على التنقل بسلاسة بين الوجوه والأزمنة التي تقدم الذاكرة السودانية بأسلوبٍ لم نعتد رؤيته من قبل..








