الظاهرة العدوية

الظاهرة العدوية

أيمن جبر

اللوحة: الفنان السعودي عبد الله حماس

ذهب أحد المَرضى إلى الطبيب يُريد علاجا للأرق الذي يَجعل النَوم مطلبا عسيرا، فالأرق يَجْعلَه يُعاني في لَيله ولا يُغادره الإرهاق في نهاره.

دفع ثَمن الكشف وانتظر دَوْره طويلا، وفي الدقائق القليلة التي تتاح له أمام الطبيب، قام الطبيب بفتح حوار حول فريقيّ “الأهلي والزمالك”، وبعد أن فَرَغ الحَديث الكروي؛ لقنه الطبيب تعليمات بشأن التغلب على الأرق ووصف له العلاج، واستمع المريض بقليل من الانتباه، فقد استغرق حوار اللعب غالب طاقته وانتباهه فرجع إلى بيته ليستفرد به الأرق.

هذه حكاية مُذْهلة ولا يُمكن تَصديقها، ولكن تتحول إلى حكاية أسطورية سخيفة حين تحكي أن المريض كَرر نفس السيناريو مع الطبيب مئات المرات!

في أحد الأفلام كان هناك مشهد أشبه بالكاريكاتير بين “سمير غانم” و”أحمد عدوية” بسبب غيرة الأخير على زوجته، يكاد “عدوية” أن يفتك “بسمير غانم”، ثم فجأة يقوم سمير بترديد أغنية لعدوية “يا عم يا صاحب الجمال، ارحمني أنا ليلي طال” وكأنها كلمة السر، فيَنْهمك عَدوية في الغناء باندماج، ويَهرب سمير وصديقُه بينما عدوية يغني.

كثير من تلك الأساطير التي تشبه نكات “الكاريكاتير” نُمارسها في حياتنا بتلقائية ولا نَنتبه لها، بل قد نُمارسها جماعات وبغفلة جماعية.

عندما يَكتشف موظف أن زميله تَخطاه في مِيزة أو علاوة، يَهْرع بحماس وغضب ليسأل عن السبب؟، لو حدثه المدير عن “الأهلي والزمالك” هل سيتلهى أم سَيَعدها إهانة؟

هل سيسمح للمدير أن يَحجب عنه سبب التخطي؟ وهل سيظل ساكنا بلا محاولة للحاق بزميله؟ 

لأن الموضوع شخصي ولأننا عبيد الأنا، وأسْرى المال، سيكون الجواب: “من المستحيل أن يقع هذا الموظف في فخ “الأهلي والزمالك” في هذا الموقف.

تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي وتمتلئ حياتنا بحوارات عن أهم أمراضنا، للأسف أغلبنا يتحدث عن الأعراض والظواهر ولا يطيق التحدث عن سبب الداء أو عن الدواء، لذيذ جدا اختزال الأمراض في حِكايات وشِكايات عن أحداث وظواهر؛“مؤامرات الخارج، الحكومات، تربص الغرب بالإسلام، الخيانات، العمالة، طبيعة الشعب”، عناوين كثيرة هي كالحديث عن “الأهلي والزمالك” تَستغرق طاقتنا وعمرنا.

استمرينا في الحديث عن تلك العناوين بروح الحديث عن “الأهلي والزمالك”.

أما الحديث عن الأسباب التي أدت لكل ما نحن فيه وقدرتنا على المساهمة في العلاج، يتم تجاهلها كلها ويَصمت الجميع بمجرد البدء في الحديث عنها، أو تلقائيا ينحني الموضوع ليرجع لهواية الشكوى وجلد الذات.

عندما نتطرق لفكرة تتعلق بسبب “القابلية للاستعمار” كما وصفها “علي شريعتي” أو “القابلية للاستحمار” كما وصفها “مالك بن نبي” تنتابنا الحالة العدوية فنختزل كل الموضوع في عنوان يطرح الحمل واللوم عنا.

فالحديث عن تلك العناوين العدوية سهل ولذيذ.. وطويل.. و”ببلاش” ويعشقه الجمهور.

الحديث عن الأفكار التي سببت هذه الأمراض، والأفكار التي يجب أن نعتنقها، والمواقف التي يجب أن نتخذها.. كل هذا ثقيل ولا يلقى حماس منا.

نحن ندمن الآه ويا ليل يا عين؛ ولا نريد أن ننزع بأيدينا الشوك الذي في جسدنا وحلقنا.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s