د. جمال عبد الرحمن
اللوحة: الفنان الإنجليزي جون فردريك لويس
لجأ المورسكيون إلى عدة حيل ليتمكنوا من أداء شعائر الإسلام دون أن يكتشفهم أحد. لقد كان الوضوء جريمة في نظر القانون، لكن الاستحمام لم يكن جريمة. لذلك كان المورسكى يستحم في النهر بدلا من أن يتوضأ. كانت الصلاة “جريمة” أخرى، لذلك كان المورسكى إذا أراد الصلاة، يصلى في بيته ويكلّف صديقا بالوقوف في الشارع، لكي يحذّره إذا رأى قسيسا قادما، وبالطبع كان من يقف في الشارع يدّعى أنه جاء لتحية صديقه وأنه يناديه لكي يخرج. من الذي كان يعلم بالشهور القمرية، وبالتالي بحلول شهر رمضان؟ مورسكيون قليلون. كيف كانوا يعلمون إخوانهم بحلول شهر رمضان (وبأخبار تخص الأمة المورسكية: انتصارات الأتراك مثلا)؟ ابتكر المورسكيون مهنة البغّالين، يعنى استخدام البغال لنقل البضائع مقابل أجر. كانت تلك المهنة مجرد غطاء لعمل سرى، فالبغّال كان يتحرك بسهولة بين القرى ويحتك بالناس دون أن يعترضه أحد، ولذلك كان بإمكانه إبلاغ الناس بمقدم شهر رمضان، أو بأية أخبار تهم المورسكيين. في شهر رمضان كان على المورسكى أن يستيقظ ليلا لكي يتسحّر، وكانت هناك مشكلة في إيقاظ الناس، لكن أحدهم وجد الحل: سيكلّفون من يمر على بيوت المورسكيين قبل الفجر بساعة، بحجة التحرك مبكرا لرعى الأغنام. وإمعانا في التخفي، اختاروا للقيام بالمهمة رجلا مسيحيا أبا عن جد، وكلّفوه بإيقاظهم “لرعى الأغنام” مقابل أجر، وظل ذلك المسيحي يوقظ المورسكيين، فيتسحرون ويؤدون صلاة الصبح، ثم يسوقون أغنامهم إلى حيث المراعي. كانت هناك مشكلة أخرى في شهر رمضان: كيف سيبررون للجيران أنهم لا يتناولون طعام الغداء؟ بعض الأسر كانت تدّعى أنها ستبيت في الحقول لحراسة محاصيلها، وهكذا كانوا يمارسون حياتهم بحرية في الحقول، بعيدا عن الرقابة، فيصومون، ثم يفطرون عند حلول المغرب، ويتسحرون قبل الفجر دون عائق. أما الحج، وهذه هي المفاجأة (هل يظن أحد أن يسعى المورسكيون إلى الحج في تلك الظروف؟)، فقد حددوا طريقا يذهب المورسكى من خلالها إلى بيت الله الحرام ثم يعود، دون أن تفطن السلطات إلى وجهته. لم يستسلم المورسكيون للظروف، بل ابتكروا الحيلة تلو الحيلة لكى يتمكنوا من أداء شعائر الإسلام، ثم راحوا يدعون الله أن يغفر لهم تقصيرهم.
المرأة المورسكية
لا بد من التوقف عند المرأة المورسكية، تلك المرأة العظيمة التي برز دورها حين سكت صوت الرجال قهرا. كانت محكمة التفتيش تركّز مراقبتها على الرجل، ظنا منها أن المرأة قابعة في بيتها لا أثر لها. لكن المرأة المورسكية استغلت الوضع، وجاهدت في سبيل المحافظة على العقيدة الإسلامية. من الذي علّم كوسمي بن عامر الصلاة؟ إنها أمّه التي كانت تعلم الناس القرآن ومبادئ العقيدة. سمعنا أيضا عن مسلمة أوبيدا، تلك المرأة الفقيهة التي تتلمذ على يديها فتى أريبالو الشهير. لم تتخلف المرأة المورسكية عن الذود عن عقيدتها، بل جاهدت وهي في بيتها، تستقبل الرجال والأطفال لكي تعلمهم مبادئ الدين. إن نظرة على ملفات محاكم التفتيش تقول بوضوح إن المرأة – رغم عملها في الخفاء – كان لها نصيب وافر من القضايا التي باشرتها المحكمة. إن مريمة وسليمة التي حدثتنا عنهما الراحلة رضوى عاشور لهما أساس في واقع التاريخ المورسكى. كانت المرأة هي التي تعلّم أولادها في البيت، بعيدا عن أنظار محاكم التفتيش التي لم يكن يخطر على بالها أن تقوم المرأة – ذلك الكائن المهمل في نظرها – بدور حيوي. جهود المرأة المورسكية هي التي أدت إلى بروز أجيال من المورسكيين لم تنقطع علاقتهم بدينهم رغم انفصالهم جغرافيا عن بقية أنحاء العالم الإسلامي. لأسباب “إنسانية” سمحت السلطات لبعض النساء بالبقاء في إسبانيا بعد صدور قرار الطرد. أتصور أن دور النساء اللاتي بقين قد استمر. أحاول دائما أن أعتمد الوثائق فيما أكتب. لذلك لن يمنعني إعجابي بالمرأة المورسكية من الإشارة إلى امرأة أخرى، مورسكية أيضا، لكنها جاهلة بقضية أمتها. تلك المرأة الأخرى هي التي أبلغت محكمة التفتيش أن جارتها المورسكية “تصلى صلاة المسلمين”، ثم اكتشفت المحكمة أن الأمر لا يعدو كونه خلافات بين جيران.
هل الرواية العربية عن فتح الأندلس صحيحة؟
هل كانت الأندلس الفردوس المفقود؟
هل حدث الفتح الإسلامي للأندلس؟
أكذوبة تخلي آخر ملوك الأندلس عن حقوق المسلمين
المسلمون بعد سقوط غرناطة.. رؤية مختلفة عما دونه المؤرخون العرب