رسالة من رسائل شرفة النور

رسالة من رسائل شرفة النور

مصطفى البلكي

اللوحة: الفنان الإنجليزي إدموند بلير لايتون

الحب هو ملح الحياة من غير وجوده لا تطاق، هو رائع كونه لا تعريف له, وكونه اللامنطق ذاته, يملكنا ولا نملكه روعته تتبدى في كوننا نعيش به, ولا نعيش له, هو بمثابة التيار يمضي بنا من المنبع إلي مصب مكتوب لنا, سيره هادئ وقادر على التغيير.

يتنهد قلبي في عالمه فأتجرع صوتك, وأرتشف وقتي على صدى كلماتك, وأوقد من ذاك الغياب شمعة لا تنتهي, وحروف اسمك طالها الخلود, وهناك في شرفة تطل على براح الطريق سيمر النسيم فعانقيه, كلماتي ستحمل رسالتي , ضعيني لو أردتِ حجرًا في جدار, أسقطي من النسيم صورتي واستعيري من كتب العشق ولو كلمة ترى ما بي من حروفها , وفي سلة بجوارك اقطفي وردة أهديها لمن غزته الغربة وسكنه الحنين, تسألني الكلمات عنك فأنا على باب بيتك ما زلت واقفًا ليكبر الحنين وغدا لن أستطيع , ليكبر ويكبر فطفل اليوم غدا سيصبح يافعا وثورته ستبني مجدا يليق بك, ككل الرواسخ , أنت شجرة وارفة الظل لن تموت, ولن يعرف الخريف لها طريقًا, أجلس في ظلها وظهري مستريح للهدوء, والظل يكبر من حولي, ظلك والحضور, فهل من هاجر إليك له سبيل غير هذا؟ نسيم وشرفة وفضاء البحر وظل شجرة معك، أحسن الدهر بي إذا جعلني أركن لجدارك، تهت زمنًا ورست سفني, وكم عانقت النسائم, وفي الجوار ولدت من جديد, أطعم الوقت حرفك لعله يستكين, وتتنفسين الحروف فأجد عطرك, يترك في براح العين خيالك فأستفيق لأرى كامل الكيان شامخًا فينوس في كامل مجدها جلست إليّ ببديع الكلام, عازفة هارب فرعوني تعزف على وتر, ليشرب كل عابر عذب لحنها فتستودع الطير صورتها ومن مكاني أرتقب وسأظل في جلستي أحمل ما تسقطه شجرتها

والحب بيتنا الفخيم, عالمنا الآخر المتواري بعيدًا عن العيون, أنت محوره, وملكته, تديرينه بهدوء عاشقة, معتادة على توطين الجمال في حواف المملكة, تصبرين على كل ما أقوم به, تروضين الوحش الساكن بداخلي, تبعدينني عن طريق التبرير والتفسير حتى لا يتبدد الوقت, فأكون في صلاة, وكل من عاش التجربة رضي بالإقامة في مدينة هي أحب المدن إليه, حقيقة يواجهها مبكرًا, ويكون منتبها لها حتى لا تتبدد اللحظات من دون سعادة, كل هذا لأنك ترينني كما أنا, الذي نظفتِ من أجله مدينتك, ونقلته من العابر إلى المقيم, كان عالمي قبلك عالمًا فوضويًا, تسكنه الحكايات, ونتفا من سير عشق, وحكاية لم ينضجها الزمن, ماتت على يديك, وضعتها بين قوسين هي وحكايتها وأوراقها, وأحرقتها على الطريقة الهندوسية, ودفنتها في بئر بعيدة, وكنت معك في سيرة مفردتها الوحيدة الروح الجميلة, واشتهيت فيك توحدًا, وعمرًا وحلمًا يسير على جمرتين, كلما فتشت في سيرته وجدتك في خيالاتي بعدد من الصور لا حصر لها, جلسة عائلية نسترجع فيها كل شيء, وأنا نائم على فخذك, وأناملك تتخلل شعري, أعيش بكل ما بي معك وبك حياة من بعد أخرى, حياة الشغف…سأحدثك ـ الآن ـ عن الشغف , حديثه ملغز, وفيضه لا نهاية له, أوله الشغف بموطن ولدنا فيه, وآخرها حضن أنثى نتمنى أن تكون نهايتنا في دفئه, لا فرق بين الأول والآخر, فكلاهما حديث عن الوطن. الأرض بكل ما تحمل هي ذلك العالم الذي وجدنا فيه ودرجنا، وتكلمنا حروفنا الهجائية فيه، ومن هناك التصقت بنا كلمة بيتنا، مدرستنا، شارعنا، مدينتنا، جامعتنا, لذلك فالوطن هواء نتنفسه بحرية, ونقبل كل ما يوجعنا منه, لأنه في النهاية هو الملاذ لنا حينما تضيق الدنيا.

والأنثى هي الدفء الأكبر القادر على منحنا وصفة سحرية لنشد إلى أرض لا نغترب عنها، ولا نطلب غيرها، ويصبح عطرها مرشدًا لنا، وهمسها كتابًا مقدسًا, والحياة عبرها قيمة مضافة لنا, لا نفرط في قربها ولا نقبل أن تهز صورتها أي عوارض.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s