حدوتة.. ما قبل النوم

حدوتة.. ما قبل النوم

محمود عبد الصمد زكريا

اللوحة: الفنان الهولندي ويناند يان جوزيف نوين

وضعت قريتنا المغمورةُ

 ذات صباح

إكليلاً من ذهب أصفرْ.

واتشحت بوشاحٍ

 من خز أحمرْ.

وتدلي من أذنيها قرطٌ

من عاج أبيضْ.

قريتنا السمراءُ بلون توابلها

تبدو كعروسٍ عذراء

ذات بهاء ملكي خاص.

ملمسها الناعم كفراء القطة

ونصاعة فطرتها

 كعيون الماء.

******

خرجت قريتنا… 

من قريتنا.

راحت تتبختر

 فوق ثعابين الإسفلت

المضفورة في المدن الحبلى

بالباعة؛ والأسواق.

احتشد حواليها النخاسون..

أغراها الأولُ

 بهدايا من دهن الحوت

وقنينة خمرٍ من عصر البارونات.

والثاني..

 بشرائح من سمك التونة

ونبيذ عتقه في قبوٍ

كان قديما سجنا للثوار.

والثالث..

 بفراء الثعلب

وأساور؛ كانت لأميرات الباب العالي

في عصر الملك القرصان.

ساق إليها الرابع..

 زمرة أقزام كالقردة؛ 

وعقودا؛ من ألماس

 تشبه حب الرمان.

******

شربت قريتنا كأسا 

من خمر المدنية..

راحت تترنح بين النخاسين 

كغانية غجرية..

كادت تسقط في الشرك المنصوب لها..

لكني أدركت الخدعة..

فأنا أعرف قريتنا.

لوَّحت لها عن بُعدٍ بالكحل

ورائحة الكمون المطحون

وزيت الزيتون

وكوب القرفة

 والشاي المغلي

وظل الصفصافة

وتمايلِ أعواد البرسيم

وعَرَق الفلاحين

وأقراص من روث البقر المتعب

مخلوطا ً بالتبن..

لوّحتُ لها ..

بأريج الخبز الساخن

ورغيف يخرج من تنور الجدة

كالبدر الساطع.

***

سال لعابُ القرية..

عادت مسرعة في نهمٍ

راحت تغسل خُفّيها 

في ماء النبع الرائق.

***

بعد المغرب..

كانت قريتنا تحكي لي

عن صورٍ؛ ورسوم هزلية..

وقريً كنساءٍ

 يعرضن علي مائدة البيع..

كانت (حدوتة) ما قبل النوم الليلة

 كالكابوس..

ولهذا.. 

خاصم جفني النوم.

رأيان على “حدوتة.. ما قبل النوم

  1. سلمت يمينك استاذ محمود زكريا
    الشاعر والاديب الراقي
    حدوته شيقه جدا في انتظار جدوته اخري

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s