مورسكيون في اميركا الجنوبية وفي مصر

مورسكيون في اميركا الجنوبية وفي مصر

د. جمال عبد الرحمن

اللوحة: «الموركسيون» للفنان الألماني كريستوف ويديتز

إزاء تعنت محكمة التفتيش كان المورسكيون يفكرون في الهجرة، وقد هاجر كثيرون منهم بالفعل إلى شمال إفريقيا، لكنهم صدموا هناك. وصلوا إلى شمال إفريقيا وهو يرتدون لباسا أوروبيا ولا يجيدون اللغة العربية، فلم يلقوا ترحيبا كبيرا على الدوام. لعل قارئ هذه السطور يفاجأ إذا علم أن بعض المورسكيون فكر في العودة إلى إسبانيا، نعم إلى إسبانيا حيث محكمة التفتيش، وهذه حقيقة تكشفها رسائل مورسكية خرجت من الجزائر. لا أريد أن أتوقف الآن عند هذا الموضوع لأنني أريد الحديث عن اميركا الجنوبية. كانت إسبانيا تريد أن تكون اميركا الجنوبية كاثوليكية خالصة، ليس فيها شيء من يهودية أو من إسلام. لذلك قرر الملك ألا يسمح بالذهاب إلى العالم الجديد إلا لمن يحمل “جواز مرور”. لم يكن القرار عائقا أمام المورسكيين، فكانوا يشترون “جواز المرور” من المسيحيين القدامى مقابل مبالغ طائلة (كان ذلك ممكنا لأن جواز المرور لا يحمل صورة). إذن فقد وصل إلى العالم الجديد عبد الله بن محمد، تحت اسم مانويل باثكيث. لذلك وجدنا من يحملون أسماء مسيحية قديمة يتهمون فيما بعد بممارسة شعائر الإسلام في العالم الجديد. وجدنا أيضا أن السلطات عثرت في العالم الجديد –المكسيك تحديدا- على كتاب “مختصر الأوامر والنواهي في السنّة النبوية”، الذي وضعه عيسى بن جابر مفتي سيغوبيا لكى يتعلم المدجنون أساسيات الدين الإسلامي، وليس هناك من تفسير إلا أن أحد المورسكيين حمله معه ليقيم شعائر الإسلام طبقا للسنّة. أضف إلى كل ذلك أن الأوامر التى تمنع سفر المورسكيين إلى اميركا كانت كثيرة، وهذا يعنى أنها لم تكن تنفّذ. كان من الصعب السيطرة على الوضع فى قارة مترامية الأطراف، وكان المورسكي يمارس الشعائر الإسلامية بحرية نسبية. من المدهش أن نعرف أن بعض رجال الدين المسيحي في اميركا الجنوبية اتهموا بالميل إلى الإسلام، وأن القائد الذي أبحر بالسفينة الإسبانية إلى تشيلي كان مورسكيا. يعضد كل ما ذكرناه أن الزميلة إلفيرا ثاغارثاثو تحدثنا عن قرية أرجنتينية لا تأكل الخنزير ولا تشرب الخمر. نحن إذن أمام قرية مسلمة فى الأرجنتين في القرن السادس عشر. أما كتاب تاريخ فنزويلا فيقول صراحة إن قائدا مورسكيا وصل إلى جزيرة مارغريتا الفنزويلية قبل أن يصل إليها الإسبان. تحدثنا لوثى لوبيث بارالت، من ناحية أخرى، عن عمدة سان خوان الموريسكى. الوجود الموريسكى لم يكن أول وجود إسلامي في أميركا، فالوثائق والأدلة اللغوية تشير إلى أن المسلمين سبقوا كولون إلى العالم الجديد، لكن هذا موضوع آخر.

المورسكيون في مصر

علينا أن نميز بين مجموعتين من أهل الأندلس وصلتا مصر في أزمنة مختلفة: المجموعة الأولى وصلت بعد ثورة الربض أيام الإمارة الأموية، وهي مجموعة يقدر عددها بالآلاف، وقد استوطنت الاسكندرية وكان لها تاريخ معروف. المجموعة الثانية قدمت إلى مصر بعد سقوط غرناطة، وهي موضوع هذا المنشور. يضاف إلى المجموعتين قدوم أفراد من الأندلس وبقاؤهم فى مصر لسبب أو لآخر (هناك عشرات الشخصيات الأندلسية المشهورة التي استوطنت أماكن متفرقة من مصر). نعود إلى المورسكيين. لا أعرف كتابا موثقا يتحدث عن الأندلسيين في مصر (بما فيهم المورسكيون) أكثر دقة من كتاب أستاذنا الراحل الدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن، أستاذ التاريخ بكلية الدراسات الإنسانية، جامعة الأزهر. الرجل، رحمه الله، أمضى وقتا طويلا يدرس سجلات المحاكم الشرعية فى الاسكندرية، وترك لنا كتابا من خمسة أجزاء نشرته مؤسسة التميمي فى تونس. نستطيع، من خلال الوثائق التي يعرضها الكتاب، أن نؤكد أن عدد المورسكيين الذين وصلوا إلى مصر لا يتجاوز بضع عشرات. تستطيع أن تتحدث عن وجود أندلسي في مصر (وهو وجود ترك بصمات واضحة في مجالات حياة المصريين المختلفة)، لكن الحديث عن وجود مورسكي أظنه حديثا تنقصه الدقة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s