الواحة

الواحة

مصطفى البلكي

اللوحة: الفنان الفرنسي إيتان دينيه 

أحبك بطريقتي الخاصة، بها الهدوء والصخب والجنون أحيانا, آمنت بكل ما فيك، فذات يوم سأل عراف قريتي

 ـ ومن منكم يعرف غربال الماء؟

 كنت أنا مع الجلوس, وكان صوته يملأ الساحة ويتسرب للبيوت كنت صغيرًا والصغير إذا ما جلس أنصت, وكان موضعه خلف الكبار, يجلل هاماتهم الصمت, وأنا في مكاني حيث انتهت بي الجلسة وقفت وقلت: أنا, ولأنه الخبير في وزن أقدار الرجال, نظر إليّ, ولما استبان له من أكون, ابتسم, وهز رأسه, ثم ضحك ولأن القلب الذي تربي على الثبات ما ارتجف, أعاد النظر إلى, وقال لي:

ـ أتحب الترحال؟

قلت

ـ ما دام القلب أذن.

 ـ والطرق؟

 قلت: 

ـ دائما تمنح من يحبها بعض سرها.

 ـ والباقي؟

 قلت: 

ـ سيأتي مع الوقت, فكثرة المشي تصنعه.

 ـ والصحراء؟

 قلت: 

ـ شاسعة.

 ـ ورمالها؟

 قلت: 

ـ لا أزرع فيها فهي بيت السراب ضحك الرجل.

ـ أقبل.

قالها, فدنوت منه, فنظر إليَّ كثيرًا ثم قال لي:

ـ ارحل خلف حلمك ستجده ظاهرا في نهار الوضوح, ومستقره واحة تخصك.

 فكرت كثيرا جدا في الواحة, الواحة نبض وجود، مكان يعطى لساكنيه صفاته نبعًا وشجرة, ومن حوله تتناثر البيوت، دفء وجود, ووجوه تبتسم للخضرة, وعيون ترسم للأفق حدودا، وقلوب ترقص مع مغيب الشمس, وفى أنس القمر تكون شهرزاد الحكايات تخط للعيون حدود الكون وللقلوب سكنها الدائم, فتجلجل الضحكات وشخللة الأساور في أيدي الناس وقت أن يضرب الكف بالكف, صورة ما أحلاها وما أحلى هذا العالم الذي سندخله معا, واحتى أنت, كل مفردات الفرح من عندك تأتى, أنا العائد من جوارك بفيض من سنا نورك, بقبس من شدو ألحانك, ما شبعت وما قست عليّ نظراتك, كنت تحت ظلهما مستريحًا والوقت كان في غير صالحنا, تمنيتُ وتمنيتُ وباتت أمنياتي سجينات صدري, رغم ذلك فإنني في قمة التتويج كنتُ وخطواتي تغزل مع خطواتك لحنهما, ياه منها اللحظات، بخل الوقت, لحظة أن ضاق وأنا وأنت في رقصة التحطيب نلف وندور هائمين كمن يرقص مع ملائكة السماء, ياه منها اللحظات ومشهد الوداع ما كان يكفيني معه عناقك , كنت أتمنى أن تزرعيني داخلك وأمضى معك حيث أنت تكونين, لكنها ستبقى أمنية على مشجب الأيام, حتما سيأتي يوم حينما نخرج إلى المروج, سنعود ذات مساء لعش هو لنا, يقولون أن الماء أبدا لن يسد ظمأ الرمال, وأنا أقول الماء ينتهي والرمال ما شبعت, إلا كلمات المحبين, كلمة واحدة صادقة تذيب جسدًا , وتحيي آخر, كلمة واحدة تفعل هذا وشهرزاد قلمت أظافر شهريار بالحكايات, وواحتي ستكون واحة بوح للاكتمال, لا غالب فيها ولا مغلوب, هي لاكتمال الواحد صحيح.

ابتسمي وتأكدي أن ما استقر لا يمحوه إلا الموت, ولنعش اليوم بيوم ومد حدود الشوف للأمام, لندرك ما سوف يكون لنا على حدود الحلم نوجد, لا على حدود الحزن, فهل لنا حياة أخرى لنعيشها؟ واحدة هي, فلم نثقل على نفوسنا؟ لم نحملها بالكثير؟ أنا أقول هذا لنفسي قبل أن أقوله لك, لنكن أبناء نهار يشتهينا ويشتهى منا البقاء.


*رسالة من رسائل شرفة النور

رأي واحد على “الواحة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s