بشّرهُ بالنار

بشّرهُ بالنار

أيمن جبر 

اللوحة: الفنان الإسباني خوان ميرو


توفي أحد أصدقائي في الخارج وكان لا بد من إنهاء إجراءات نقل جثمانه إلى مصر، ذهبت مع صديق للمشاركة في غُسْله في مكان تجهيز الموتى ثم حفظهم في الثلاجات، فجاءت عربة تحمل جسد صديقنا ومعه جثتين، غَمَرنا الخشوع والجلال لذلك الموقف العظيم، حَملنا جثة صديقي فترحمت عليه، ثم حَملنا الجثة الثانية فترحمت على صاحبها بينما نحمله إلى الثلاجة مباشرة، فنهرني صديقي قائلا: هذا هندوسي لا تترحم عليه! فقلت له: لم؟ قال: الحديث يقول بشره بالنار

دار بيننا نقاش لم يتوقف لشهور ولم يقنع أحدنا الآخر.

كيف تكون السُنة أن أبشر من يموت على غير ديني بالنار؟ كيف أجعل القسوة والتشفي دينا أو سنة أطبقها؟

حتى لو كان الحديث به درجة من الصحة مهما علت.
أين التأويل؟ أين عرضه على آيات الرحمة التي في كل آيات القرآن الكريم؟، أين التأويل من الآية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)؟ الأنبياء 107 

أين الحديث من النبي صلي الله عليه وسلم عندما وقف لجنازة اليهودي، حين قال: أوليست نفسا! 
أين نحن من إصراره على الاستغفار والصلاة على رأس أحد المنافقين -عبد الله بن أبي سلول- الذي كان يكيد ويؤذي النبي والمسلمين بلا توقف وبلا حدود ومع ذلك أصر النبي على تكفينه في عباءته؟! أليس الشفقة والرحمة هي التي دفعته لذلك السلوك؟ أوليس فعله هذا يرضي الله؟ فالرسول لا يفعل إلا ما يرضي الله.

هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر أحدا من أقربائه الذين لم يؤمنوا به بالنار؟
ابن القيم رحمه الله في كتابه “شفاء العليل” ذكر أن الحديث: جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه.
قال إن التسعة وتسعين جزءا في الآخرة لخلقه جميعا مؤمن وكافر وليس فقط للمسلمين!.
لو أني على غير دين الإسلام ورأيت مسلما يتعامل بتلك القسوة في مشهد جليل مثل هذا؛ بلا نقاش لن أدخل هذا الدين!.
نحن نعتقد أننا على الحق وهذا الشعور يجب أن يصحبه شعور مرافق وهو الشفقة والرفق والعذر للآخر.
الآخر الذي فشلنا في إيصال عقيدتنا وإيماننا إليه، وليس الآخر الذي فشل في أن يصل إلى الحقيقة التي ورثناها بسبب الجغرافيا والتاريخ.
للأسف نحن قد تسرب إلينا نفسية شعب الله المختار، مع أن شروط خير أمة أخرجت للناس معروفة ولكننا نتجاهلها، وهي “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، ونحن نحتاج إعادة تعريف المعروف والمنكر، وأن نوسع من مفهوم الطاعات والمعاصي، فهذا مفهوم شديد الضيق.

لو عاشوا معنا لكانوا مثلنا، ولو عشنا معهم لكنا مثلهم.
فرفقا بهم وبنا.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s