اللوحة: الفنانة الجزائرية لمياء تميني
كتب على العام، تعمّد مشاركة منشوره على صفحته كأنما يُصرّ أن يقرأه الجميع، فذكر: أنه يبرأ إلى الله من كل دعوة مشبوهة، أن الظروف صعبة على الجميع، أن غالبية بلدان العالم لم تعد تعرف طعم الهناء بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، ثم عرج على أزمة انهيار سعر صرف الجنيه، قال يخاطبنا جميعا بلهجة المؤمن: لقد عِشنا من قبل وسنعيش، لطالما كانت قيمة الجنيه مقابل الدولار الأمريكي متدنية، ولن يموت امرئ من الجوع في هذا البلد. ثم ختم منشوره الإيماني بآيات وأحاديث، وعيد لمن يفكر في الخروج على حالة السلم!
صبيحة اليوم التقيته دون موعد، وجدته متجهمًا، يعلو وجهه بؤس وبعينيه نظرة شاردة، مررت بجواره سريعًا فأنا أتحاشى من فترة غير قصيرة أن أبدأ يومي بملاقاة مثل هؤلاء، غير أنه اعترض طريقي وبوجل سألني: “مفيش فلوس نازلة قريب في المكنة؟!”، تفحّص وجهي فلما رأى ملامح صخرية لم تتفاعل مع حديثه، أكمل كلامه قائلًا: سمعت عن مكافأة في الطريق؟! وكأنما يحدّث نفسه: مبقتش عارف أعمل إيه لآخر الشهر!
فربَّتُ على كتفه، داعبت أرنبة أنفه الغارقة في العرق، وقلت له: يا عزيزي “محدش بيبات من غير عشا”.
فنجان قهوة آخر
حين غاب المكان بكامله عن العيون، استشعرت بعض الهدوء والأمان، أدرت رأسي لرفيقي وقلت: بمتوسط كل أربع دقائق يمر بنا شحاذ يمد يده بالسؤال. ساعة واحدة قضيتها معك بالمقهى، أحصيت خلالها قرابة خمسة عشر سائلًا، كلما راح واحد أقبل آخر لم أره من قبل. كذلك لحظت بكل ميدان ومنعطف وأنا قادم إليك كمينًا للشرطة، غير ما مرّ بنا من دوريات وسيارات نسيت عددها.
لقد التقيت صاحبي مساء أمس لغاية السمر، احتساء القهوة وتبادل الحديث عن بعض مصائب الحياة ومصاعبها. لكن كانت أيدي المتسولين أكثر عددًا، أقرب إلينا من فنجانيّ القهوة، فأحجمنا عن الكلام لكثرة المقاطعة، قلت للصديق: لنغادر الآن؟
على رغم أنه كان اكثر ضجرًا منّي، لكنه مال عليّ وهمس قائلًا: إن ذهبنا الآن سنثير الريبة. لننتظر برهة.
فقلت: ريبة؟ ريبة من؟
فقال وهو يتلفّت حوله: الشحاذين.
على مقربة كان أحدهم يرمقنا بتحفّز، فلما عدلنا عن قرارنا وآثرنا الجلوس من جديد، طلبنا قهوة أخرى، وجدت الرجل يهرول تجاهي بغضب، فلم أمهله حتى يُخرج طاقة غضبيه، إذ أخرجت ما معي من فكّة صاغرًا، بينما ” سرينة” سيارة شرطة، تشهد الحدث جوارنا، تزأر و وميض أنوارها يغشى العيون.