فواز خيّو
اللوحة: الفنان الإنجليزي كونروي مادوكس
لا تحاول تفسير القصيدة.. ليس أقتل من النقاد والعقل في تشريح القصيدة؛ فالقصيدة مخلوق جميل. حاول أن تُحسّها وتتشرّبها كهالة كلية.
لا تُدخل الحمامة إلى المشرحة، وتضعها على الطاولة، وتشرح للطلاب؛ هذا رأسها، وهذا قفصها الصدري وهذا…
لا تعود حمامة.
هي حمامة بهالتها الكليّة وهي على الغصن.. حين تدخل إلى القفص لا تعود حمامة
هكذا المرأة هي نص جميل، لا تحاول تفسيره أو شرحه أو حتى فهمه، لا تدخل في تفاصيلها
نصّ جميل، عليك أن تُحسّه وتتشرّبه كهالة كلية.
حين تدخلها إلى القفص لا تعود حمامة.. لا تعود امرأة..
***
عند الرحيل، ترحلُ الطرقات والدروب، ترحلُ الجهات نحو اللا جهة.
عند الرحيل، ترحل المناديل والشواطئ.. عند الرحيل، يلمّ البحر أمواجه ليمخر ميمّماً شواطئ المجهول.. تجّر السماوات غيومها وتمضي في اللا سماء.
عند الرحيل، يلتقي النهار والليل في اجتماع طارئ، ليشكلا خلية أزمة لتدارس الموقف.. تطفئ النجوم فوانيسها خوفاً من المجهول.
عند الرحيل، لا يُسعفك أن تتمسك بنهاية حرف ل، فهي بالكاد تتسع لتعليق منديل منفلت من أصابع الوداع.. عند الرحيل ثمة اللا مكان ليذهب إليه الراحلون..
***
لن تستطيعي الحضور في أمسية اليوم.. لكنك أجمل الحضور..
في الأمسية السابقة، قلت لمشرفة الحفل: لن ألقي في البداية، لأن ثمة من سيأتي.. فهمتْ عليّ، وقالت: كما تريد..
كانت نبضات القلب، تنتشر على مداخل المكان، باستنفارٍ مثيرٍ، كحرسٍ يترقب وصول الطاغية.. فجأة دخلتِ، دون أن يراك أحد.. كنتُ أولَ من تسطع عليه ابتسامتك.. سلمتُ عليك بشكل رسمي، واندسستُ على الكرسي، كي لا أثير الشبهات..
كل شيء مُرخّص ومباح: القتل والخطف والمخدرات والدعارة، والكذب والنفاق، إلى آخر قائمة الجحيم.. وحده الحب، ما يثير الشبهات.. يا ألله كم يلزمنا من الموت، حتى نعرف كيف نبني الحياة.. وأنا المشتبه الأبرز، كانت نبضات القلب، تحتشد وتتدافع، كي تصل إليك وتتحلق حولك، وكلّ منها تريد أن تُثبت ولاءها لك، مثل منافقي هذا الزمن.. لكن نبضي لم يكن يوماً منافقاً، فهو مثلي، فقير لا يملك إلا وجهاً واحداً.
هذا التدافع أربكني، وجعل صوتي مضطرباً.. وتسألينني: لماذا لم أنظر اليك وأنا ألقي قصائدك؟
كم من المعارك والعواصف خضتُ، ومشيت على حدّ السكين زمناً، وظللتُ رابط الجأش.. لكن حضورك عاصفة تذروني في كل اتجاه.. وتعيد تجميعي من جديد.
حانة الشعراء 