اللوحة: الفنان البلجيكي جان فرانسوا بورتال
قطعة ثلج
أردت أن أكون عقلانيًا كما يقولون، فأخذت صورتها وعرضتها على نساء الحي ومن أعرف من القريبات، قلت لهن: هذه امرأة جميلة، سحرتني بعينيها، اعتقلتني بداخلها منذ سنوات، كلما صارحتها بجمالها دون تزيّد أو غزل، قالت: بل هي عيناك التي ترى الجمال فقط. فهل أنا محقُ فيما رأيتُ، أم هي صادقة فيما تزعمْ؟
ما من امرأة طرحت عليها سؤالي وأجابتني مباشرة، منهن من تندّ عنها ضحكة، منهن من تشيح بوجهها بعيدًا، غير واحدة، نظرت في الصورة بعض الوقت، تنهّدت قليلًا، ضاقت عيناها بشدة ثم اتسعت عن ابتسامة دافئة وقالت: ما رأيته فيها وتراه كلما التقيتها هو جمالها الداخلي، هي امرأة نقيّة كقطعة ثلج ضلّت طريقها إلينا من الشمال.
سررتُ بإجابتها، كدتُ أحتضنها على قارعة الطريق من فرط تأثري بكاملتها، لكني تمالكت أمري وعرجت على سؤال آخر: هل يراها غيري هكذا؟
فوكزتني بيمينها قائلة: من كان نقيّ القلب، ثم غادرتني هامسة: العجائز من النساء تغار أيضًا.
بضاعة راكدة
لم أحتر حيرتي هذه من قبل، فقد ظللت الليل بطوله وأنا أبحث عن ورقة بيضاء تصلح للكتابة، كل ما أردته أن أدوّن شيئًا هامًا قبل أن ينفضّ القوم من حولي، أوثقّ عهدًا أو عقدًا أو اتفاقًا قبل أن يتطاير من الأفئدة ويتبخّر من العقول.
شقاء أن أفتّش عن قلم يصلح للكتابة، فإن وجدته بعد جهد، تعجز عن بلوغ ما تكتب عليه، حتى أنني ترددت على المكتبات ومحلات البقالة، فقيل لي أن هذه السلعة اضحت شحيحة، فإن وُجدت لا يُقبل عليها أحد، نكره البضاعة الراكدة.
فطرقت البيوت وأقلقت راحة سكانها، قلت لهم: كراسة قديمة لتلميذ، أو غلاف لكتاب فيه مساحة صغيرة تصلح! غير أنّي حصدتُ سبابًا لا حصر له، شتمًا فاق قدرتي على التحمل، فرجعت إلى قومي، أخبروني: أتحنا لك الفرصة كاملة، لمّا فشلت في بلوغ مرادك، نُلزمك بما استقر عليه الرأي، أن نحفظ العهد في صدورنا، فإن فاضت ارواحنا تحلّلنا منه، إن نسيناه لا تثريب علينا، ثم هلّلوا فرحًا وشدّوا على يدي مهنئين أنفسهم وإيايّ.