نبيلة يحياوي
اللوحة: الفنان الإسباني فرانشيسكو دي غويا
هذا الوطن يمزج مداد قلبي ..
بأوراق المدينة الدكناء
لم أكن أعلم أن دموع الحزن تشاطرني إياها السماء
وتهطل بعدها أشجان صبح
وتنغمس بين جدران قلبي الوئيد..
عن حصار الدنيا مضيت بعيدا
من صدى الكلمات تموت الكلمات
ويموت الصمت أيضا
هل تسمعون الآن؟
حين تشدّ الأغلال معصمي!
حين يموج الدم أغوار دمي..!
وإخوتي مثلي
في زنزانة الموت
يخطفون لون السماء..
يخطفون وجه القمر البريء
والليل بدون وسادة؛
بدون عقارب ساعة؛
بعد الفجر كلنا في رتابة
ووقع أقدام غريبة
خطوات..
كان الحارس يلف السيجارة
لم يقرأ روايتي..
عبثا لا يقرأ ..
وطن في معضلة
يُلمّح العجوز إلى المقصلة،
أمسك صديقي يدي وهمس في أذني
لا يجيد القراءة
السّوط جلاد والجبن إبادة
عاد الحرف إلى أطراف أصابعي
يلامس روحي الزهيدة
يفرش أرضي الجدباء
وتمتد أغصان السجن الرهيب
هل قال الصمت شيئا!
أخبروني إن كان للظلام فجوة
ماذا تسمعون..
أم لا تنصتون!
سمعت مناديا من عتمة السجون
يخيط جوربه البالي
واصطكاك أسنانه البيضاء
يردد صخب الجدار العنيد
قال لي:
لا تكتب شيئا بعد الآن أيها الأحمق؛
لن تعود الشواطئ البعيدة
سيطفو الغبار عليها
تلك الأوراق
لم يعد لليم لونه الأزرق
دعك من تراتيل اليراع
سنموت هنا
بين خيوط العنكبوت
والمارون هناك من وراء الستار
ينفضون رماد الجريدة
وغبار الأحذية
هل تملكون رغيفا
أسد رمق الجوع؟
أيها الحارس اللئيم..
سدّ الليل أفواهنا،
ولوّنَ مابقي من سراديبه أركان قلبي
لا أدري ما الذي جعلني أتحمل
أو يخيل إليّ أنني أتحمل
يموت صديقي هنا
وأذبح القصيدة
أقسمت أن تذبح من الوريد إلى الوريد
حين أخضب اللون الأسود
ظلام الجدران
غطرسة الحارس اللعين
أقسمت أن تضرج ببندقية النهاية
ولو على جبيني
في أوان ميلاد جديد
لن نتسامر بعد الآن صديقي
انتهيت من حياكة الخيوط الرقيقة
لقد صنعت منها أفقا نورانيا
ورصعت أرضي الأخيلة
أفقا ينبجس في دقيقة..
لقد صنعت منها وميضا
وانتهيت من بتر مسافة العذاب،
وجل إخوتي رحلوا قبلك
شاءوا أن تأتي في جبين الشمس
حالمون بخيوط الحقيقة
لكن للذين دفنوها
قبل رحيلهم
أضاءت جباههم
وقبّلوا جبين الوطن المنسلخ..
ولملموا الأحزان في بوتقة النسيان
انتهيت الآن
وقبل كل أوان
رصعت حذائي البالي،
حزين بقدر السماء أنها الليلة الأخيرة
دون عناق
وجسدي قطعة بالية تتناثر أوراقها
تدثرني؛
لكنه يذكرني أيضا أنني نصف ميت
ونصفي حي
تعيدني الموت خرافة
ويحييني الألم الطهور
لأموت من جديد في آخر رواية
معضلة وطن واخوتي مثلي
يموتون في زهادة
ويتلون الشهادة
متى حطمتُ ميثاق الألم
عد إليّ
إلى نفسي
إلى شراييني
الألم ولادة…ولادة
والحرية.. سجن وقيادة
من بعدنا يَفك طلاسم الأغلال،
ويُسند شجرة الحرية للعصافير؟
من بعدنا يرسم طريقا يغتال الفراق؟
من بعدنا يعود الليل أن يفتح الستار؟
نمت هنا، وهناك بعد.. كل يوم
وألف عام…نلتقي في آخر سطر
من شوط الحياة..
من صوت الإبادة!