باسم فرات
اللوحة: الفنان السوداني صالح عبده
شُــعَرَاءُ وباعةٌ، صَـرَّافُـو عُملاتٍ، طَـلَـبَـةٌ وعُشَّـاقٌ،
وَمُسْتَطْرِقُونَ يَسْـتَأْنِسُـونَ
على أرصفةِ ودكّاتِ أتينيه
يرتشفونَ الشايَ والقهوةَ بالهيلِ أو القَـرَنْـفُـل
بائعاتُ الشايِ تغَـارُ القهوةُ مِـنْ نَـكْـهَـةِ سُـمْـرَتِـهِـنّ
على الجُدْرَانِ
حَـنِـينٌ لِـمَـاضٍ يَنْهَـشُ في الـذَّاكِـرَة
مَنَـادِيـلُ تُخَـبِّئُ لَـيْـلاً بَهِـيـمًا
وتُطِـلُّ على صَـبَاحَـاتٍ مُشْـرِقَة
هَـوَسُ الكتُبِ مَسٌّ أصابَ جُلاَّسَ أتينيه
والكتابةُ حَشِيشٌ يتعاطاهُ الجميع
والآبِـنُـوسُ يُـزْجِي ملامحَ الماضي
أرَاني صَـاحِـبِي الَّذِي يَضَـعُ أقْـرَاطًا على هيئةِ كتُبٍ
وتُغَطِّي كَـرِشَـهُ النَّحِيفَ
قِلادَةٌ كُتِبَ عليها بِخَطٍّ عَـرِيضٍ “رأسُ المال”؛
مَطْـعَـمًا وبَـكى بِـصَـوْتٍ لَسَـعَـتْـنِي حُـرْقَـتُـهُ:
كانتْ هنا إنْـدَايَةٌ
احْـتَسَى فيها أَلْـفُ شَـاعِـرٍ الـمَريسَةَ
ثم أحْـرَقُـوا قصَائِـدَهُمْ
لِتَبديدِ الـبَرْدِ عَنِ السَّماءِ.
الإنداية هي مكان لتناول المشروبات الروحية البلدية المصنوعة من البلح أو الذرة أو السمسم، شهدت الإنداية أروع ما قاله شعراء الهمباتة وسجالاتهم وغزواتهم، حيث كانت الإنداية أشبه ما تكون بالنادي الثقافي إذ يحددون الإنداية التي يجتمعون فيها حسب خط سيرهم، ولا يتم هذا الاختيار اعتباطًا بل يكون لصاحبة الإنداية دورٌ في ذلك من حيث بشاشتها وحسن تعاملها مع الزبائن الذين يرتادون الإنداية كل حسب مكانته ووضعه، كما يكون التقييم أيضًا حسب جودة المشروبات ونوعية الخدمة التي تُقدم لهم ومدى جمال من يخدمنهم من عاملات الإنداية اللاتي تتعدد مهماتهن.
المريسة: منقوع الذرة أو السمسم أو التمر بعد تخميره.