عبد الوهاب البياتي
اللوحة: الفنانة الإسبانية أنابيل أندروز
(1)
قال اقتليني فأنا أحبُّ عينيكِ
ومن أجلِك أبكي
كانت الكنائسُ القوطيةُ الحمراءُ في بطاقةِ البريدِ
تستحمُّ بالشمس
وبیكاسو غلافَ العددِ الأخيرِ من مجلةِ «الحياةِ»
يرنو لضياءِ العالمِ الأخيرِ
قالت لغةُ الوردةِ في حدائقِ الليلِ
على شفاهنا تزهر
من يبكي على أسوار هذي المدن -الملاجئ- القبورِ؟
من يبكي على شطآنِ بحرِ الروم في منتصفِ الليل؟
ومن يفكُّ لغزَ الوحشِ في «طيبة»؟
فالعالمُ في العصر الجليدي على أبوابه الجنود
والطغاةُ يحجبونَ بالجرائدِ الصفراءَ نارَ الليل
والنبيذِ والقيثار
قالت: بحضورٍ غائبٍ، مسكونةً، أتبعُ
موتَ قمرِ الثلجِ على نافذةِ المدينةِ-الأسطورة
الجميعُ كانوا يكذبون
وأنا بوحدتي مملوءة، أسقطُ أعياءً على
طاولة المقهى
ونارُ الليلِ في كأسِ النبيذِ تُشعلُ البحرَ
أراك قادمًا من آخر الدنيا، على شفاهِنا
تُزهرُ بعضُ الكلمات
ينتهي عذابُنا
لنبدأ الرحلةَ من جديد
(٢)
من قبلِ أن تولدَ في ذاكرةِ البحرِ وفي ذاكرةِ الوردةِ والعصفور
ماتت على نوافذِ الفجرِ وفي دفاترِ الوحشةِ نيسابور
تاركةً حضورَها الغائبَ في حدائقِ الليلِ وفي أجنّةِ الزهور
وخصلةً من شعرِها فوق سريرِ المطرِ المهجور
(٣)
قال اقتليني فأنا أحب عينيك
وضاع الصوت
(٤)
شوارعُ المدينة
موحشةٌ، بعدَك، حتى الموت
(٥)
كان مذيعُ نشرةِ الأخبارِ في منتصفِ الليلِ
يُعيدُ الموجزَ.
الأطفالُ كانوا نائمينَ.
كانت السماءُ حبلی، شارةٌ غامضة،
صيحةُ إنسان يموتُ في مكان ما. رأيت البرق
في حربته يشقُّ جوفَ الليل
والمستنقعُ الجاثمُ في أحشائه
رأيتُ نيسابور في سريرِها عاريةً تضاجعُ التنين
كان وجهُها الميتُ في حَنوطِه مبللًا بعرقِ الليل
وبالحمى، رأيتُ بطنَها منتفخًا
ويدَها تحتضن التنين، تمتد جذورًا في عروقِ الأرض
كانت في سرير المطرِ-الوجودِ تلتفُّ، تنام
ومذيعُ نشرةِ الأخبارِ في منتصفِ الليلِ
يُعيد الموجزَ. انتظرتُ أن تستيقظي أيتها
الكاهنةُ-العذراءُ. فالعالم في العصرِ الجليديِّ
على أبوابه الجنودُ والطغاةُ
يحجبونَ بالجرائدِ الصفراءِ نارَ الليل
والنبيذِ والقيثارِ، لكنّكِ
أوصدتِ بوجهي البابَ والتابوتَ
أغلقتِ عيونَ الفجر
أرسلت ورائي العسسَ-اللصوصَ
أرسلتِ كلابَ الصيدِ، ناديتكِ، ضاع
الصوتُ في الهواء. كانوا يكذبون كلما داهمهم
صقيعُ هذا الليل: كانوا يكذبون، إنهم
سيدتي، کلابُ صيدِ الملكِ-الأميرِ. كانوا
يكتبون الشعر عن عينيك والثورةِ من خلف
متاريس الأميرِ-الورق العتيق،
كانوا يكذبون، إنهم، سيدتي،
أحذيةٌ جديدةٌ معروضةٌ للبيعِ في أسواقِ «بیروتَ»
وفي أسواقِ هذا الوطنِ الممتدِ
کالجرحِ من المحيطِ للخليج. قالت: لغةُ الوردةِ
في حدائقِ الليلِ على شفاهِنا تزهرُ
من يبكي على أسوارِ هذي المدنِ-الملاجئِ-القبور؟
من يبكي على شطآنِ بحرِ الرومِ في منتصفِ الليلِ
أراه قادمًا من آخرِ الدنيا
على شِفافه تُزهر بعضُ الكلمات
ينتهي عذابه
ليبدأ الرحلةَ من جديد.