أبيض وبيض

أبيض وبيض

سليم الشيخلي

اللوحة: الفنان العراقي منعم الحيالي

لماذا سماني رئيفة؟ فخ يجر به خف الأيام لترأف به! الشقاء يلازمه كآلام ظهره، أراه يستيقظ صباحا، يجلب شوالا من الصمون وأمي تسلق بيضا في قدر كبير وأخي عبدو يخلط توابلا صفراء بمذاق حارق لذيذ، يؤثثون العربة بعناية لتكون أشيائها في متناول يده. جملته الصباحية ” يارزاق يا كريم ” تؤذن بداية رحلته. تقول أمي إنه يقف عند مسطر عمال ساحة الطيران، أفطر كالعادة صمونة وبيضة واذهب المدرسة.

يعود عصرا يجرجر قدمين خشبتها الدروب الملتوية والعربة، يغتسل، ينام، يرتدي دشداشته البيضاء الوحيدة ويخرج للمقهى ليعود بعد ساعتين بابتسامة ومرح يحليه بقطع الزلابية أحيانا ويفارقنا صباحا.

  • أبو عبد الأولاد يكبرون والغرفة ضيقة ما تكفينه.
  • أم رئيفة شايفه اشكد عوائل بها البيت صابرة وتعيش على امل وإحنه يا سته ويه الستين.
  • إلى متى يابه ؟
  • لا تعتقدين ما عندي طموح يبدل حياتي ويبدل حال كل ذوله المثلنه.

فغرت فاها، مثبتة عيونها عليه لتحبسه داخل همها.

  • اشلون يمه !

يدخلها نقاشا يعلق عليه الحلم فتكسره تحت قدميهما بالجوع الذي يطوي اجسادنا ورثة الحال، نسمع همهمات الجيران حشرات تقفز حول فانوس على سطح بيت عتيق كبير تحاصصنا مواقع النوم بجدران من الستائر.

  • حبيبي شوف حالنا وتالي فكر بالناس.
  • الله كريم.

في يوم قائض دهسته سيارة إسعاف وحملته معها لبيت فوق السحاب يؤثثه كما يرغب. السنون تمر مهرولة لأجدني معلمة تقف أحيانا مع التلاميذ عند عربة الأبيض وبيض ألوك ساندويجة ذكريات.

أعداد مجردة

كم هي خجولة تلك العودة للوطن تحت شعار تحريره ببساطيل اجنبية ! وما اجمل ان تعود لذكريات الطفولة بعد غيبة اربع عقود. أي دهشة تصفعك لهول ما اندرس من معالمها ! 

لن يستر ذلك تلك الفرحة البريئة انك وصلت والخدش الذي اعطب غربتك قد اختفى. اسير بينها كأثري يبحث عما تبقى منها تحت تراب الذاكرة. الوجوه جديدة. جلت في الازقة المجاورة نسرا يبحث عن فريسة، الصدمة ان يتعطل صوتي فابدو غريبا. في هذه الدار ولدت فتساقطت الذكريات تترى. المقهى كما هو الا الجدران الطينية تبدلت ببطابوق. دلفتها ابحث في الوجوه ومقعد مناسب. هل سيسمعني سالم لو هتفت له ” شاي سنكين “.

دنا مني بانحناءة خفيفة مسلما وكفة تسبقه فهززتها،تنحيت فاسحا مكانا له، طوق نجاة.

  • اعتقد اني اعرفك.

تفرست بوجهه فاعتللت اشفاقا لكلينا اعرفه لكني نسيت اسمه.

  • وأنا كذلك.
  • انت من هنا.
  • واسمي حازم شاكر كنت اسكن في هذا الزقاق. البيت المقابل للحاج سلمان
  • وانا رمضان.

فتعانقنا ودموعة تغسل خدي.

هدأت عاصفتنا ليجيب اسئلة كثيرة لاغت بي.

  • لم تتوقف الحياة عندما اختفيت، نمونا داخلها. راحلون تناثروا بين المقابر والمنافي والاقبية وقادمون يحملون نفس همومنا.

بالاسم والمدينة والمقبرة والاتجاه رسم تواجدهم دون توقف. 

  • من تبقى ؟
  • مهدي فقط. كان ابوه شرطيا عند نوري السعيد واستمر شرطيا حتى نهاية هبل
  • وانت ؟
  • كان ابي حارسيا شخصيا لأحد جلاوزته.
  • ولهذا لم يسافر او يحتج احد من الذين….. غلبنا الصمت فودعته. 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s