اللوحة: الفنانة الهولندية قطط هنريت رونر
مَلّستُ على رأسها، بإبهامي الأيسر داعبت أسفل ذقنها كما أفعل كلما جاورتني في سريري، ثم خاطبتها: يا صغيرتي، بتُّ على قناعة أن قوانين الحياة واحدة، أن ما يصلح في المجتمع، يمكن أن يُصلح من شأن النفس..
توقفتُ هنيهة، ثم أكملتُ: ذلك ما حدث معي بالضبط، فأنا أدري أن الأمر استغرق سنوات، لكني نجحت أخيرًا في خفّض سقف أحلامي، كما انخفضت معه اتصالاتي اليومية، فبات الأمر لا يخرج عن تحية صباح أرسلها في مساء اليوم التالي، تقلّص بداخلي حجم الشغف..
ثم أخذت نفسًا عميقًا، شردت بخاطري لبعيد، عُدت بسرعة ونظرت إليها، قلت وأنا أداعب أنفها الدقيق: أتعرفين أنني قسوت على نفسي في أول الأمر!، غير أنني اعتدت ذلك بمرور الوقت، ثم آنست لمبدأ أن يظل بين المرء والآخرين خيط رفيع، فقط ليُنبئك أن للصيف حرارة رهيبة تحيل حياة المرء جحيمًا، أن برد الشتاء يفتّ في عضد أعتى الرجال.
حين أنهيت حديثي إلى قطتي، أدرتُ رأسي إليها، لأرى أثر كلماتي، غير أن عينيها ظلت نصف مغلقة، لم يزد عليها غير أنها غالت في تثاؤبها فبانت أنيابها الأربعة الحادة عن ذي قبل.
تغييرات جغرافية
لحظة غير مفهومة لعقلي الواعي حين خرج الطفل من داخلي. وأظن أنني غضبت حين شعرت أن لم يرني أحد، فضربت الأرض بقدميي، ثم قررت أن أغادر.
أمسك عن الكلام فترة ضغط خلالها نفير السيارة بعنف حتى هدأت ثائرته، أكمل بعد ذلك حديثه: الشاهد، أن بدائيتي القديمة دفعتني إلى مسلك لطالما رفضته من الغير. ثم توقف من جديد، سألني: ما رأيك؟!
فسألته ردًا على حديث منفرد من جانبه: الطريق طويل هذه الليلة على غير عادته، أتظنها تغييرات جغرافية حدثت ولم نشعر بها؟!
ربما فهم مغزى كلامي، إذ تقوقع على مقود السيارة الأجرة، داس ببطنها بقدمه غريبة، فانطلقت العربة تشق ظلام الجبل.