اللوحة: الفنان المصري عمر الفيومي
خرجت أتعقب نسمات شتاء ديسمبر الباردة، قبل أن يرحل العام. ذلك طقس أعتدته منذ سنوات بعيدة، وجوه المارة من حولي متجهمة، نظراتهم شاردة. لم يكن القوم كما كنت أعرفهم. غاب المرح القديم من العيون، أجزم أن الصقيع زاد في قسوته، بينما غاب الشتاء بدفئه الإنساني الذي عاصرته من قبل.
كنت أسير وسط القوم كغريب انقطعت به السبل، فعُدت من حيث أتيت، غير أنني بطريق عودتي، وجدتني أمام “ثومة”!
شخصت ببصري للمكان منبهرًا، همست بعجب: هذا مقهى لم أدخله منذ بعيد. سعيد الحظ وقتها من يقدر على الجلوس فيه. لكني حين اقتربت منه وجدته خاليًا، نادله يقف على بابه ينظر للفراغ البعيد، فلمّا ناديته، التفتَ إليّ متعجبًا، بادرني بقوله: قهوة؟
– رددت بفرح: أتذكرني؟!
– لا، لكن للقهوة كمشروب زبائن أعرفهم بسيماهم.
فقلت، وأنا أتطلّع للصور المرسومة على الجدران: بن غامق، “ع الريحة”. من فضلك في” فنجان”
فانصرف وعاد بعد فترة، ووضع “صينية”، على طاولة تجاورني. سألته: أين الناس؟ أقصد أين روّاد المقهى، رحت أدور بعينيّ في المكان، فقاطعني بفتور، قائلًا: لماذا جئت؟
فأجبته: لعله الحنين، لربما خشيت أن لا تأتي الفرصة مرة ثانية، فانتهزت مروري بجواركم.
ثم أخذت رشفة من قهوتي، قلت: يظل لكم فضل السبق في المذاق والنكهة.
فشكرني بصمت، وغادرني، من خلفه يأتي صوت “الست”، عميقًا مجلجلًا: “عايزنا نرجع زي زمان…”