مدينة السويداء الطيبة الفقيرة.. الغنية بموروثها وقيمها

مدينة السويداء الطيبة الفقيرة.. الغنية بموروثها وقيمها

فواز خيّو

اللوحة: الفنان السعودي عبد الله الشيخ

مصطلح الكرامة عند أهل مدينة السويداء أقوى المصطلحات، وغالبا ما يتعلق بالأرض والدفاع عنها. 

ابراهيم باشا منتصف القرن التاسع عشر وصل بقواته مشارف أنقرة، وكاد يسقط السلطنة العثمانية لولا تدخل بريطانيا وفرنسا، ليس حبا بالأتراك ولكن مخافة نهوض دولة عربية قوية، ابراهيم باشا حاصر الجبل فترة طويلة وخسر الآلاف من جنوده، ولم يستطع دخول أطرافه حتى ردم الآبار بالجثث، وأخيرا قبل بشروط السكان مثل منع تجنيد أبنائهم في جيشه وغيره، واستطاع الثوار دخول خيمته وأخذ المهباج وعدة القهوة المُرّة منها، وذلك يُعتبر إهانة كبيرة. المهباج كان لا يزال موجودا في مضافة واكد زهر الدين في قرية الصورة الكبيرة..

كان عدد سكان الجبل وقتها لا يتجاوز 40 ألفا، نصفهم طبعا نساء وربعهم أطفال. 

إضافة إلى الكرم وحماية المستجير، وكلنا نعرف أن شرارة الثورة السورية الكبرى انطلقت بسبب اعتقال الفرنسيين للمناضل أدهم خنجر من مضافة سلطان الاطرش في غيابه، وقصفت فرنسا المضافة لاحقا، ورفض سلطان ترميم المضافة فيما بعد قائلا: مضافة لم تحم ضيفها لا تستحق الترميم. 

إضافة إلى ذلك ثمة شرف الخصومة. في مدينة صلخد كان الشيخ سلمان الأطرش، وثمة خصومة أو تنافس بينه وبين وجيه يدعى سليم الجرمقاني أبو فيّاض، وذات مساء وبينما سليم الجرمقاني في مضافته وعنده زوّار، دخل شاب يافع وبعد السلام قال لأبي فيّاض: يقول لك الشيخ سلمان إنه بحاجة لخمس ليرات ذهبية، انفعل الوجيه وصرخ بالشاب قائلا: الشيخ يشتريني ويشتري المدينة كلها، أخرج، الشيخ يحتاج ليراتي؟ خرج الشاب من المضافة، وبعد لحظات خرج سليم إلى غرفة أسرته وقال لابنه: خذ هذه الخمس ليرات واذهب إلى الشيخ واعطه إياها. رغم الخصومة والتنافس بينهم لم يُرد أن يًشعر زائريه أن الشيخ محتاج للمال. بدل أن يتباهى بأن الشيخ يحتاجه. 

هذه من أشرف القصص التي حصلت والتي ترسّخ الكبر عند البعض.

هل أحكي عن مدللة زوجة سلمان مصطفى حمزة من قرية رساس؟ 

العادة في القتال أن كل عائلة لها راية، وتسمى في السويداء بالبيرق، أحد الرجال يحمل البيرق، وحين يسقط شهيدا يتولى أخوه حمل البيرق، وإذا لم يكن موجودا يتولى أحد أقاربه، وفي معركة المسيفرة سقط أربعة أخوة وأبوهم في معركة واحدة وحين وصلت جنازاتهم إلى البيت سقطت الأم مدللة فوقهم. أيّ خنساء هذه ؟!

في السويداء لا يمكن أن تكون غريبا، حتى حين يكون الرجل غائبا تخرج الزوجة لاستقبالك، ترحّب بك وتُدخلك إلى المضافة وتقدم لك القهوة المرّة والضيافة، ريثما يأتي زوجها. 

وأثناء المحنة السورية الأخيرة استقبلت السويداء أكثر من 300 ألف لاجئ من درعا وريف دمشق وحمص مع أسرهم، وحمتهم وحفظت كراماتهم، وعشرات الآلاف من شبابها تخلفوا عن الخدمة العسكرية كي لا يشاركوا في المقتلة والمحرقة السورية. 

هذا هو الوطن وقيم التضحية تجاهه في السويداء، فسوريا بالنسبة لهم ليست مجرّد وطن، بل زمرة دم. 


هذه هي سورية

من رواية «تقرير إلى غودو» (تحت الطبع) للكاتب السوري فواز خيّو

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s