روح المقاومة في مدينة الإسماعيلية

روح المقاومة في مدينة الإسماعيلية

د. حمدي سليمان

اللوحة: الفنان الفرنسي ادوارد ليون كورتيس

ربما ما تعرضت له المنطقة من أطماع بسبب قناة السويس وموقعها واهميتها لحركة الملاحة والاقتصاد والتجارة العالمية، جعل من مدينة  الإسماعيلية واحدة من البيئات المستهدفة على طول تاريخها، وذلك لما تمثله من أهمية عظمى لمصر ولأمنها القومي، فهي ضمن مدن البوابة الشرقية المنوط بها الدفاع عن مصر عبر تاريخها الحديث والمعاصر. وقد كانت البداية مع الاطماع الانجليزية واقتحامها للقناة بتسهيلات من الخديوي، وهو ما عرض المدينة للكثير من الخسائر في الأرواح والمباني أثناء المواجهات التي دارت على أرضها بين قوات الانجليز وقوات الجيش المصري بقيادة الزعيم أحمد عرابي، وما تبعها من احتلال وسيطرة انجلترا على مصر بكاملها، وتوريطها بعد ذلك في حربين عالميتين لا ناقة لها فيهما ولا جمل، حتى أن موارد مصر ومنشآتها كلها جرى استنزافها في خدمة الجيوش البريطانية التي نهبت ثروات مصر بالإجبار وقوة السلاح والاحتلال، في الوقت الذي كان يعيش فيه أغلب الشعب المصري في فقر مدقع، إلى الحد الذي جعل من مشروع الحفاء هو المشروع القومي لحكومات ما قبل ثورة يوليو، مرورا بسنوات الكفاح العظيم والنضال والمقاومة وحركة الفدائيين ضد قوات الاحتلال في منطقة القناة، والتي شجعت على قيام الثورة في 52، إضافة إلى دحر بريطانيا العظمى مع فرنسا وإسرائيل في حرب العدوان الثلاثي بعد تأميم قناة السويس، وصولا إلى هزيمة 67 ومأساة التهجير والتشتت بين القرى والكفور ومواجهة الكوارث والمصائب، وهي الأيام الأصعب في ذاكرة أبناء المدينة، فقد تركت تلك الكارثة آثارها على كل بيت وفرد في مدن القناة، حيث كان الدمار والموت في كل مكان، وكانت الحياة اشبه بروايات الرعب، وأتذكر هنا حكايات أبي عن الحرب ورفضه للذهاب إلى المخبأ، أو حتى التجمع مع رجال الحي في أحد المنازل، وكان ذلك في الأيام الأولى حتى اقتحمت بعض الشظايا الشباك الذى يعلو سريره، وتقافزت دجاجات أمي من حوله في جنون، فخرج مسرعا إلى الشارع ليجد السماء وقد تحولت إلى كتلة لهب والناس يهرولون في رعب وذهول، ونباح كلاب لا يتوقف بسبب أصابتها بالصرع، وعلى الرغم من ذلك رفض التهجير ولم يترك المدينة هو وعدد كبير من الأهالي دفاعا عن الأرض والكرامة، وأنضم مع مئات الرجال لقوات الدفاع الشعبي يتعلمون مهام أطفاء الحرائق وانقاذ المصابين وإطفاء الأنوار أثناء الغارات وبناء سواتر من الطوب أمام مداخل المنازل وحماية البيوت الخالية التي تركها الاهالي من السرقة، صور أظن يصعب ازالتها من وجدان كل من عايش تلك الملحمة الإنسانية الكبرى، بداية من رفض روح الانكسار ومحاولة التجاوز النفسي لفكرة الهزيمة والذي كان يفوق خسائر الأفراد والبيوت والمؤسسات، والتمسك بالأمل وسط ما يحيط بهم من كل أشكال الرعب والدمار ورائحة الموت النفاذة، نتذكر ذلك وننقله للأجيال الجديدة لتعرف كيف تتجلى صور التضحية وتظهر روح العطاء والفداء من أجل تراب الوطن، تلك الروح التي تتجدد باستمرار في كل فرد، إنها سمات محفورة في وجدان وقلب وعقل وضمير الإنسان المصري، حتى وإن بدت الشخصية المصرية في بعض الأحيان في صورة اللامبالاة أو عدم الاهتمام، حيث كان على المجتمع الإسماعيلي الوليد أن يقدم نموذج للمقاومة والفداء للحفاظ على كيانه وخصوصيته في نظر أبنائه، ومع ذلك فالتحولات التي طرأت على هذا المجتمع نتيجة ظروف نشأته والاطماع الخارجية والهجرات المتكررة لأبنائه، كانت ومازالت ذات تأثير على أفراد المجتمع، كذا المتغيرات الاجتماعية والثقافية الناتجة عن بعض عمليات الانفتاح الاقتصادي، وتسرب الثقافة الخليجية، وزحف العديد من أبناء المحافظات الريفية القريبة عليه كل ذلك قد ساهم في تغير التركيبة الاجتماعية والثقافية لهذا المجتمع. 


الإسماعيلية.. المدينة الكوزموبوليتانية

السعدني والمستكاوي والخال الأبنودي

الإسماعيلية.. المشهد المسرحي والتشكيلي

السرد على حواف مدينة الأسماعيلية

على ضفاف البحيرة

في مديح القناة

الإسماعيلية.. باريس الصغرى

موسيقى النوارس

سردية المقاومة والحياة

فنون الضمة وأنسنه الحياة

الزجل وشعر العامية

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s