د. حمدي سليمان
اللوحة: الفنان الأكراني دانييل فولكوف
إن ما حدث بعد نصر أكتوبر عام ١٩٧٣ وعرف اصطلاحيا بمرحلة الانفتاح، والذى كان يهدف – على حد زعم مخططي استراتيجيات ما بعد أكتوبر – إلى فك الحصار المفروض على العديد من القوى الاجتماعية، والعمل على إشباع الحاجات المختلفة للمواطنين، عبر إغراق الأسواق بالمنتجات الأجنبية الرخيصة، قد أضر بشكل كبير بالصناعات والمنتجات الوطنية، إضافة إلى الخسارة الفادحة في الطاقات البشرية المصرية، التي تجلت عظمتها في فترة الخمسينيات والستينيات في مشاريع ضخمة وعبر حرب الاستنزاف حتى أكتوبر الرائع، وهذه الطاقات هي الثروة الحقيقية لمصر، وفى مقدماتها الثروة البشرية التي تربت وتغذت على الإخلاص في العمل، وبذل الجهد والتفاني من أجل إعلاء قيمة الوطن، وهو ما يعنى الحفاظ على مقوماته ومنجزاته، الحفاظ على صناعاته ومنتجاته حتى ولو كانت اقل من المستورد، والعمل على تطويرها بالأساليب العلمية الحديثة، مستثمرين في ذلك الأيدي العاملة المصرية المخلصة، والعمل على رفع كفاءاتها عبر التدريب المستمر، إلا أن سياسة الانفتاح لم تلتفت إلى كل ذلك، بل أنها تعمدت ضرب المنتجات المصرية، عن طريق إغراق الأسواق بالبضائع المستوردة، ووجد المواطن المصري نفسه أمام نوعية من العمل تتنافى مع ما تعلمه وتحمس له وآمن به، بل أن بعضها مخالف للقانون، كعمليات التهريب من المناطق الحرة، لكنها أعمال مغرية فهي قليلة الجهد وعالية العائد، وربما ما حدث في الإسماعيلية كان صورة مكثفة لهذا الإهدار المنظم للطاقات البشرية لأبناء هذا الشعب، حيث كان يعرف عن أبناء مدينة الإسماعيلية أنهم نموذج في تقدير واحترام قيمة العمل والمقاومة والتضحية، فهم الذين شاركوا في التصدي للعدوان طوال سنوات البطولة من يونيو ١٩٦٧ إلى انتصار أكتوبر 1973 المجيد، الذي جاء بحجم وعظمة وقوة وصبر المصريين، وبعد ذلك ساهموا في إعادة بناء مدينتهم الحبيبة، وبناء الكثير من المدن الجديدة، وكانت شهرة العمالة الإسمعلاوية الحرفية في مجال الإنشاء والتعمير يضرب بها المثل، وأيضا في التعامل مع الشركات الأجنبية التي جاءت لتوسعة القناة، وإنشاء الكباري والإنفاق ومشروعات البنية الأساسية، وهى خبرات تولدت وتراكمت لدى أبناء هذا البلد عبر سنوات من الجهد والعرق والتضحيات، واليوم يعانى أبناء الاسماعيلية من العديد من المشكلات الاقتصادية، والتي يرجع الكثير منها الى الفساد والمحسوبية والتجاهل المقصود الممنهج.
حانة الشعراء 