مدينة الإسماعيلية – مرحلة الانفتاح والموجه الجديدة 

مدينة الإسماعيلية – مرحلة الانفتاح والموجه الجديدة 

حمدي سليمان

اللوحة: الفنان  المصري حسن محمد حسن

لقد ساهمت تلك المتغيرات (مرحلة الانفتاح) في خلق ما يعرف بالموجه الجديدة التي سيطرت ومازالت على الشارع الإسماعيلي، فقد تم تهميش الوطنيين أبطال المقاومة الشعبية والمثقفين، كما تم إبعادهم عن الحياة السياسية، ليتصدر المشهد جيل آخر من محترفي الفهلوة والهمبكة المتسلقين والنفعيين، الذين ارتبطوا مع الإدارة المحلية بمصالح متبادلة، وعملوا على اختزال تاريخ البلد السياسي والوطني والثقافي في بعض الأسماء التي تصدرت المشهد وفرضت نفوذها، كما تم استخدام من لا نشك في نبلهم ووطنيتهم لصالح الموجه الجديدة، وقد تم توظيف هذه الأسماء لتكون بوقا إعلاميا يشوش طوال الوقت على كل ما هو حقيقي وأصيل، مستهدفا تسطيح وعى الأجيال الجديدة، وسلب كل طاقات المقاومة والإبداع منها، عبر تزييف التاريخ وخلط الحقائق واختصار معنى الوطنية والانتماء في الانحياز لكيان سياسي ما، أو تشجيع نادي كرة قدم مع تقديرنا الكامل – ونحن واحدا من هؤلاء – لإخلاص وحب الشعب الإسماعيلي لفريقه، الا أن الانتماء لا يختزل في تشجيع فريق كرة قدم. 

ولا شك أن هذا التحول الذي دُفعت له الشخصية الإسماعلاوية قد بدأت إرهاصاته في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، عندما أشار بعض القيادات السياسية المقربة إلى الرئيس السادات على جزيرة الفرسان لاختيارها كمقر ومنتجع دائم له بالإسماعيلية، بعد مظاهرات انتفاضة الخبز في 77، وهو أمر طبيعي، فمن حق أي رئيس أن يخصص ما يشاء من أماكن لتكون استراحات خاصة بالرئاسة، إلا أن غير الطبيعي هو ما قامت به القيادات السياسية المحلية، آنذاك من ممارسات تؤهل أبناء المدينة لتغيرات ضرورية يستوجبها هذا الإختيار، لتؤكد ولاءها للسلطة، وتحافظ على مناصبها ومصالحها الشخصية، وكان ضروري أن توفر هذه القيادات المحلية الضمانات الكافية لتغري الزعيم بهذا الاختيار، بداية بتدجين أبناء هذا البلد ومرورا بتخفيف خطاب المقاومة والدم والعداوة للأخر المعتدي، والتركيز على مكتسبات الموجه الجديدة، موجه الانفتاح والكسب السريع عن طريق العمل في المهن الطفيلية كالسمسرة، والعمل في تهريب البضائع من المنطقة الحرة ببورسعيد، والبعد عن الكلام الكبير والمقاومة وأيام الحرب والفقر”الله لا يعدها” كما كان يردد البعض. ولم يترك مروجو الموجة الجديدة شيئا لم يوظفوه لخدمة أغراضهم، فهم عزموا على تغيير وتشويه كل شيء، حتى التراث الفني والثقافي لم يسلم من ذلك، وجميعنا يعلم مدى ارتباط أبناء الإقليم بهذا التراث الذى يعد عمره من عمر ذلك المجتمع، فقد شُكل عبر زمن طويل، وارتبطت موضوعاته مع الناس بذكريات من لحم ودم، لذا أستقر في الوجدان الجمعي للمجتمع، وأصبح جزءا من هوية الإقليم، وسمة أصيلة من سمات الشخصية الإسماعلاوية، إلا أن كل ذلك لم يحمِ هذا التراث من عبث وشراسة تلك المرحلة، مرحلة التحولات السريعة على كافة المستويات، لذا لم يكن غريبا أن نرى فرق السمسمية التي كانت تغني أغاني المقاومة في الأفراح والمناسبات المختلفة، تغني لمعاهدة السلام والانفتاح وللمحافظين والشخصيات السياسية والحزبية، وهو ما نال من قيمة وإبداعية هذا الفن الأصيل، أتذكر حينما كنا صغارا كنا نردد أغاني المقاومة في كل المناسبات، في ألعابنا وأفراحنا، كنا نتمثل فنونها ونعيد إنتاجها عبر صياغات مختلفة. 


مدينة الإسماعيلية – تحولات ما بعد أكتوبر

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s