د. حمدي سليمان
اللوحة: الفنان الروسي قسطنطين كوروفين
كان من الطبيعي بعد ثورة 25 يناير، أن نبحث في تاريخنا الحديث عن الأعلام والرموز من أبناء الاسماعيلية، التي أثرت وجداننا وعقلنا الجمعي، وتركت بصماتها المضيئة في الحياة الثقافية المصرية والعربية بأعمالها الفكرية والإبداعية، لنرد لها الجميل ولو بشكل رمزي، حيث كان الاهتمام ينصب قبل ذلك على الاحتفال والاحتفاء فقط بنجوم كرة القدم من أبناء النادي الإسماعيلي، ومع كامل تقديرنا لنجوم هذه اللعبة الجماهيرية التي لها رصيد حماسي وعاطفي لدى محبى الدراويش في الاسماعيلية وخارجها، إلا إنه كان من الواجب أن نطلع الاجيال الحالية على رموز أخرى عظيمة شرفت مدينتهم بإنجازاتها ونجاحاتها في مجالات الفكر والإبداع، فإحدى مهام الكتابة هي حراسة ذاكرة الأمة الثقافية والوطنية، بمعنى حمايتها، فتلك من القيم الإيجابية للكتابة، فمن واجب الكاتب التصدي لمن يزيفون التاريخ ويهمشون القامات الثقافية والوطنية لصالح الأدعياء والمتطفلين والمتسلقين، حتى يبدو الفعل الثقافي والوطني عبر التاريخ مقطوع الصلة بالمجتمع وأفراده. وأن كانت هذه الأعلام الساطعة حتى الآن لم تلقى أي نوع من التكريم أو الأحتفاء في مدينتها الإسماعيلية على الرغم من مكانتها الثقافية الكبيرة على المستويين المصري والعربي، اللهم ما قامت به ثقافة الإسماعيلية بعد 2011 – بجهد فردي- من أطلاق اسماء هؤلاء الأعلام على مكتبات وبيوت الثقافة في الإسماعيلية، حيث شرفت مكتبة الرياح بوضع اسم علي الراعي عليها وكذا مكتبة حي السلام التي حملت اسم محمود دياب، كما تم إعادة طبع أيقونة فتحي رزق كتاب “جسر على قناة السويس”، وهى لمسات ربما تكون بسيطة لكن مردودها الثقافي والإنساني لدينا كبير، واستكمالا لهذا الجهد المتواضع الذي نتمنى أن يكون محاولة لتمهيد الطريق أمام الكتاب اللاحقين ممن اختاروا التنقيب والبحث في تاريخ وجدان وعقل وشواهد تلك المدينة الساحرة، نحاول في هذه الإطلالة الثقافية أن نتعرف معا على عالم ثلاثة من كبار هؤلاء المبدعين، وهم “المفكر والناقد الدكتورعلي الراعي – الأديب والصحفي فتحي رزق – الكاتب المسرحي محمود دياب”، الفرسان الثلاثة الذين حفروا اسمائهم بحروف من نور، بعد أن ملؤوا حياتنا جمالاً وفكراً وإبداعًا بكتباتهم، التي جسدت مشاعر وآلام ونضالات وطموحات هذا الشعب في فترات عصيبة من تاريخه الحديث، وقد جمع الثلاثة أفكار ومبادئ مشتركة، بداية من الحلم بحرية الوطن قبل ثورة يوليو، إلى كراهية الظلم والاستبداد، وأن يسود العدل العالم، وهي الافكار والمواقف التي دفعوا بسببها الكثير من راحتهم وحريتهم، وهو ما يجعلنا في ذكرى ميلاد كل منهم نشعر بمدى افتقادنا لتك القامات الشامخة، أصحاب الإبداع المتميز والوعي الفارق والآراء الصائبة والمواقف الوطنية المخلصة النبيلة، وعزاؤنا الوحيد أننا نفتقد لأصواتهم لكن أرواحهم تبقى دائما بيننا تتفتح في كل الفصول، لا تذبل، ولا تغيب.