ماجد سليمان
اللوحة: الفنان الإنجليزي جون فردريك لويس
حَادِي النُّوقِ مِن حَجْرٍ إِلَى جَـو
مِئَاتُ الرَّاجِلِينْ
فِـي ثِيَابٍ صَفْرَاءَ
وُجُوهٌ تَـحُكُّ حُزْنَـهَا بِالرِّمَالْ
دَخَلُوا مِن جَانِبٍ مُهَدَّمِ مِن أَسْوَارِهْ
يُوغِلُونَ فِـي اللَّيْلْ
كَأَشْبَاحٍ عَارِيَةْ
تُؤلـِمُ مُنْحَنَيَاتِ الطَّرِيقْ.
أَيْدٍ تَتَحَرَّكُ دُونَ إِرَادَةٍ مِنْهَا
أَبْدَانٌ نِصْفُ نَاهِضَةْ
فَجْرٌ انْتَزَعُوهُ مِنْ فَجْرْ
سَفَرٌ أَوْلَـجُوهُ فِـي سَفَرْ
نَسُوهَا مُغْمَضَةً أَعْيُنُ النُّجُومْ
عَلَى أَذْرِعٍ مُسْدَلَةْ.
الغَسَقُ، الغَسَقْ
يَرْجِمُ الأَبْصَارَ الـمَائِعَةَ
وَلَا أَعْيُنَ
فَتُفَرِّقَهَا مـَجَادِيفُ النَّهَارْ
فِـي مَعْبَرِ القَوَافِلِ الـمَنْسِيَّةِ
بَيْنَ أَشْجَارٍ لا تَبْتَسِمْ
وَوُجُوهٌ مُبْتَلَّةٌ بِالتّعَبْ.
آخِرُ الرُّعَاة فِي وَادي الكُـلاب*
رُعَاةٌ حَوْلَ نَـجْدِيِّ يَـمُوتْ
صَوْتُ يَعْلُو:
سَلْهُمْ عَنْ فُرْسَانٍ مَهْزُومِينْ.
صَوْتٌ يَتَحَشْرَجْ:
وَطِئُوا طَرِيقَاً عَبَّدَتُهُ أَخْفَافُ الإِبِلْ
وَأَقْدَامُ السُّرَاةْ
سَفَرٌ مِن أَعْمَاقِهِ
يَعُطُّ بِـخِضَابِ العَاشِقَاتْ
يَـخُطُّهُ مُغَنٍّ
مَـحْمُولٌ بِأَذْرُعِ الصَّبَاحْ
وَأَكْوَابٌ مُنَمْنَمَةٌ تُفْرَغُ فِـي بَطْنِ الغِنَاءْ.
لَيْلَةٌ بِقَمَرٍ غَيْرَ مُكْتَمِلْ
تَزُمُّ شَفَتَيْهَا مُسْتَغْرِبَةْ:
ــــ كَدَبِيبِ نـَمْلٍ تَسِيرُ رِحَالُكُمْ
تَطْوِيهَا أَعْيُنٌ بَكَت طَوِيلَاً.
صَوْتٌ يَتَرَدَّدُ:
فَائِضٌ مِن أَسْرَارٍ ثَقِيلَةٍ
تَتَأَرْجَحُ بَيْنَ الـحَيَاةِ وَالـمَوْتْ.
صَاحُوا مُلَوِّحِينْ:
ــــ تَلَوَّثَت حُظُوظُنَا
فَتَكَوَّرْنَا مِثْلَ الأَجِنَّةْ.
صَوْتٌ يَفِرُّ إِلَيْهِم:
ـــ أَيُّكُم رَاعِي الإِبِلْ؟
*حَجْرُ اليمامة (مدينة الرياض حالياً).
*جَوّ اليمامة (مدينة السّيح حالياً).
*وادي الكُلاب: من أودية نـجد، بضم الكاف، وتـخفيف اللام، من الكُلْبَة وهي الـمَشَقَّة.

ماجد سليمان، أديب سعودي
صدر له حتى الآن أكثر من 19 عملاً أدبياً
تنوَّعت بين الشعر والرواية والمسرحية والقصة وأدب الطفل.